كتاب معرفة الصحابة لأبي نعيم (اسم الجزء: 1)
سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى، وَكُلُّ هَؤُلَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ إِنَّمَا ذَكَرْنَاهُمْ لِكَيْ لَا يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّ إِخْرَاجَهُمُ يَعِزُّ وَيَتَعَذَّرُ، وَإِنَّمَا هِيَ رِوَايَاتٌ وَاهِيَةٌ ذَاهِبَةٌ، وَهُمْ فِيهَا الْوَاهِمُونَ مِنَ الرُّوَاةِ، وَلَمْ يُتَابِعْهُمْ عَلَى أَوْهَامِهِمْ إِلَّا مَثَلُهُمْ مِمَّنْ غَرَضُهُ الْمُكَاثَرَةُ بِالْمُبَاهَاةِ، وَمَنْ جَوَّزَ مِثْلَهُ فِي الرِّوَايَةِ، فَهُوَ إِلَى السُّقُوطِ وَالضَّعْفِ أَقْرَبُ، لِأَنَّ سَبِيلَ مَنْ خَصَّهُ اللهُ بِالْمَعْرِفَةِ وَالْإِتْقَانِ أَنْ لَا يُتَابِعَ وَاهِمًا عَلَى وَهْمِهِ، وَلَا مُخْطِئًا عَلَى خَطَئِهِ، بَلْ يُبَيِّنُ وَهْمَهُ، وَيَكْشِفُ خَطَأَهُ لِمَنْ دُونَهُ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُهُ تَقَرُّبًا إِلَى اللهِ، وَصِيَانَةً لِصَنْعَتِهِ وَعِرْضِهِ، لِأَنْ لَا يَتَّخِذَ الطَّاعِنُ إِلَى إِفْسَادِ الرِّوَايَاتِ وَدَفْعِهَا سَبِيلًا، فَإِنَّمَا يَذْكُرُهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِصِحَّةٍ مَا حَكَاهُ مُسْنَدُ إِمَامٍ، أَوْ تَارِيخُ مُتْقِنٍ مُتَقَدِّمٍ، أَوْ دِيوَانُ أَصْحَابِ الْمَغَازِي، فَالْأَحْسَنُ تَرْكُهُ، وَالسُّكُوتُ عَنْهُ، فَلَوْ جَازَ أَنْ يَشْتَغِلَ الْإِنْسَانُ بِذِكْرِ مَا لَا يُعْرَفُ وَلَا يُوصَلُ إِلَى حَقِيقَتِهِ وَمَعْرِفَتِهِ، وَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِشْهَادُ عَلَيْهِ بِقَوْلِ مُتَقَدِّمٍ مِنَ التَّابِعِينَ، أَوْ تَابِعِيهِمْ، أَوْ إِمَامٍ مَقْبُولِ الْقَوْلِ، نَافِذِ الْحُكْمِ فِي مِثْلِهِ، لَجَازَ لِوَاحِدٍ آخَرَ أَنْ يُحْدِثَ أَسَامِيَ لَا تُعْرَفُ، وَلَا يُوجَدُ لَهَا ذِكْرٌ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، فَيَدَّعِي أَنَّهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ، لِيُكْثِرَ بِهَا كِتَابَهُ، وَيُجَلِّيَهَا عَلَى مَنْ شَاءَ مِنَ النَّاسِ، لَكِنَّ الْعَقْلَ وَالْمَعْرِفَةَ وَالدِّينَ يَمْنَعَنْ مِنْ ذَلِكَ، وَاللهُ تَعَالَى وَلِيُّ التَّوْفِيقِ وَالْعِصْمَةِ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ بِرَحْمَتِهِ
الصفحة 204
3993