او غيبته -قبل علمه به- هل يُشترط لتوبته إعلامه والتحليل منه؟ على روايتين، واختار القاضي أنه لا يلزمه، لما روى أبو محمد الخلال بإسناده عن أنس مرفوعًا: " من اغتاب رجلاً ثم استغفر له من بعد غفر له غيبته " (¬1)، وبإسناده عن أنس مرفوعًا: " كفارة من اغتاب أن يستغفره له " (¬2)، ولأن في إعلامه إدخالَ غمًّ علمه، قال القاضي: فلم يجز ذلك ... ) إلى أن قال: ( .. وقال ابن عبد البر في كتاب " بهجة المجالس ": قال حذيفة رضي الله عنه: " كفارة من اغتبته أن تستغفر له "، وقال عبد الله بن المبارك لسفيان بن عيينة: " التوبة من الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته "، فقال سفيان: " بل تستغفره مما قلت فيه "، فقال ابن المبارك: " لا تؤذوه مرتين "، ومثل قول ابن المبارك اختاره الشيخ تقي الدين ابن الصلاح في فتاويه (¬3) ... ).
وقال: (واختار أصحابنا أنه لا يُعلمه بل يدعو له دعاءً يكون إحسانًا إليه في مقابلة مظلمته كما روي في الأثر، ومن هذا الباب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " أيما مسلم شتمته، أو لعنته، أو سببته، أو جلدته، فاجعل ذلك له صلاة وزكاة وقربة
¬__________
(¬1) أوردهما ابن الجوزي في " الموضوعات "، ووافقه الألباني في " الضعيفة " برقمي (1520)، (1519).
(¬2) أوردهما ابن الجوزي في " الموضوعات "، ووافقه الألباني في " الضعيفة " برقمي (1520)، (1519).
(¬3) فقد قال رحمه الله في جواب سؤال عن حديث: " كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته ": (الحديث وإن لم نعرف له إسنادًا يثبت، فمعناه يثبت بالكتاب والسنة المعتمدة، أما الكتاب فقوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} إن كان هذا نزل في الصلوات فهو عام، والعام لا يختص بالسبب، وقد بين ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ رضي الله عنه: " أتبع السيئة الحسنة تمحها "، أما السنة: فمنها هذا، ومنها حديث حذيفة أنه شكى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذرب لسانه على أهله، فقال له: " أين أنت من الاستغفار؟ "، وذرب اللسان على الغير أخو الغيبة، فإن كلاهما أو كلاً منهما جنايات اللسان على الغير ... ) اهـ. من " فتاوى ابن الصلاح " ص (32).