كتاب الإعلام بحرمة أهل العلم والإسلام

إن شيوخ طالب العلم هم آباؤه وأجداده (¬1)، ومن لم يكن له شيوخ يتلقى عنهم العلم، ثم ادَّعى العلم، وتكلم فيه: فهو دَعيٌ فيه، مجهولُ الهُويَّة والنسب ..
ولم يكونوا يلتفتون إلى مَن لم يكن له شيوخ في العلم، ولا يقيمون له وزنًا ولا اعتبارًا، ولا يرون فيه أهلية التكلم معه؛ لأنه محل الخَطَل والغلط.
قال القاضي عياض رحمه الله في " ترتيب المدارك " (4/ 623) في ترجمة أبي جعفر الداودي الأسدي المتوفى سنة (402): " بلغني أنه كان ينكر على معاصريه من علماء القيروان سُكناهم في مملكة بني عُبيد، وبقاءَهم بين أظهرهم، وأنه كتب إليهم مرة بذلك، فأجابوه: اسكت لا شيخ لك! أي: لأن درسه كان وحده، ولم يتفقه في أكثر علمه عند إمام مشهور، وإنما وصل إلى ما وصل بإدراكه، ويُشيرون أنه لو كان له شيخ يفقهه حقيقة الفقه؛ لعلم أن بقاءهم مع مَن هناك من عامة المسلمين تثبيت لهم على الإسلام، وبقية صالحة للإيمان ".
وأصل هذا الجواب قديم، قائم في نفوس العلماء سلفًا وخلفًا، وممن روي عنه من الأئمة المتقدمين: أبو حنيفة رحمه الله تعالى، فقد أسند الخطيب في " الفقيه والمتفقه " (2/ 83):
قيل لأبي حنيفة: " في المسجد حَلْقة ينظرون في الفقه "، فقال: " لهم رأس؟ "
قالوا: لا، قال: " لا يفقه هؤلاء أبدًا " (¬2).
¬__________
(¬1) تقدم بيان هذا ص (198 - 199)، فجدِّد به عهدًا.
(¬2) " الفقيه والمتفقه " (2/ 83).

الصفحة 337