كتاب الدرة البهية شرح القصيدة التائية في حل المشكلة القدرية

فكما أنه تعالى أخبر: أنه على كل شيء قدير، وأنه فعال لما يريد، وأنه إذا أراد أمرا قال له:"كن" فيكون، وأن كل شيء خلقه بقدر، وكل صغير وكبير مستطر، فكذلك قد أخبر: أنه الحكيم الذي شملت حكمته كل شيء، وأنه خلق السماوات والأرض ومن فيهن بالحق، ولم يخلقهما باطلا. {ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} (صّ: 27) {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} (المؤمنون:115)
{أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} (القيامة:36) .
إلى غير ذلك من الآيات الدالات على الأصلين، وهما: عموم مشيئته لكل موجود، وشمول حكمته للخلق والأمر.
هذا: الذي يتعين على المكلفين الاعتراف به واعتقاده.
بيان ما زعمه الجبرية، وإبطاله
...
أما مذهب "الجبرية" فإنهم زعموا: أن فعل الرب وإبداعه لجميع المبتدعات لغير حكمة: بل أوجدها عندهم بمشيئة مجردة.
وقالوا: إنه {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} (الأنبياء:23)
ولا حجة لهم بالآية الكريمة، بل هي حجة عليهم، فإنه لا يسأل عما يفعل، لكمال حكمته، فلا يمكن مخلوقا أن يعترض على الله اعتراضا صحيحا في شيء من مخلوقاته.
بل: لو اجتمعت عقول الخلق من أولهم وآخرهم ليقترحوا أحسن من خلقه وإبداعه وتكوينه، لعجزت عقولهم وقواهم.

الصفحة 30