كتاب تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات

الكلام عنه ولم أقف أنا بنفسي عليه لما صدقته لغرابته وبعده عن الأصول العلمية والقواعد السلفية التي تعلمناها منه ومن شيخه الإمام ابن تيمية فهو أشبه شيء بكلام الآرائيين والقياسيين الذين يقيسون الغائب على الشاهد والخالق على المخلوق وهو قياس باطل فاسد طالما رد ابن القيم أمثاله على أهل الكلام والبدع ولهذا وغيره فإني في شك كبير من صحة نسبة " الروح " إليه أو لعله ألفه في أول طلبه للعلم. والله أعلم
ثم إن كلامه مردود في شطريه بأمرين:
الأول: ما ثبت في " الصحيح " أن النبي A كان يزور البيت في الحج وأنه كان وهو في المدينة يزور قباء راكبا وماشيا ومن المعلوم تسمية طواف الإفاضة بطواف الزيارة. فهل من أحد يقول: بأن البيت وقباء يشعر كل منهما بزيارة الزائر أو أنه يعلم بزيارته؟
وأما الآخر: فهو مخاطبة الصحابة للنبي A في تشهد الصلاة بقولهم: " السلام عليكم أيها النبي. . . . " وهم خلفه قريبا منه وبعيدا عنه في مسجده وفي غير مسجده أفيقال: إنه كان يسمعهم ويشعر بهم حين يخاطبونه به وإلا فالسلام عليه محال؟ اللهم غفرا. وانظر التعليق الآتي على الصفحة (95 - 96)
وإذا كان لا يسمع هذا الخطاب في قيد حياته أفيسمعه بعد وفاته وهو في الرفيق الأعلى لا سيما وقد ثبت أنه يبلغه ولا يسمعه كما سبق بيانه في الدليل الرابع (ص 36) ؟
ويكفي في رد ذلك أن يقال: إنه استدلال مبني على الاستنباط والنظر فمثله قد يمكن الاعتداد به إذا لم يكن مخالفا للنص والأثر فكيف وهو مخالف لنصوص عدة واحد منها فقط فيه كفاية وغنية كما
[39]
سلف وبخاصة منها حديث قليب بدر وفيه إقرار النبي A لعمر أن الموتى لا يسمعون فلا قيمة إذن للاستنباط المذكور فإن الأمر كما قيل: " إذا جاء الأثر بطل النظر وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل "
وقد يتساءل القارئ - بعد هذا - عن وجه مخاطبة الموتى بالسلام وهم لا يسمعونه؟ وفي الإجابة عنه أحيل القارئ إلى ما ذكر المؤلف C تعالى فيما يأتي من الرسالة وما علقته عليها (ص 95 - 96) فإن في ذلك كفاية وغنية عن الإعادة
وخلاصة البحث والتحقيق: أن الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال أئمة الحنفية وغيرهم - كما ستراه في الكتاب مبسوطا - على أن الموتى لا يسمعون وأن هذا هو الأصل فإذا ثبت أنهم يسمعون في بعض الأحوال كما في حديث خفق النعال أو أن بعضهم سمع في وقت ما كما في حديث القليب فلا ينبغي أن يجعل ذلك أصلا فيقال إن الموتى يسمعون كما فعل بعضهم (1) كلا فإنها قضايا جزئية لا تشكل قاعدة كلية يعارض بها الأصل المذكور بل الحق أنه يجب أن تستثني منه على قاعدة استثناء الأقل من الأثر أو الخاص من العام كما هو المقرر في علم أصول الفقه ولذلك قال العلامة الآلوسي في " روح المعاني " بعد بحث مستفيض في هذه المسألة (6 / 455) :
والحق أن الموتى يسمعون في الجملة فيقتصر على القول بسماع ما ورد السمع بسماعه
وهذا مذهب طوائف من أهل العلم كما قال الحافظ ابن جرب الحنبلي على ما سيأتي في الرسالة (ص 70) وما أحسن ما قاله ابن التين C:

الصفحة 39