كتاب تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات

" إن المصنف (يعني البخاري) أشار إلى طريق من طرق الجمع بين حديثي ابن عمر وعائشة بحمل حديث ابن عمر على أن مخاطبة أهل القليب وقعت وقت المسالة (1) وحينئذ كانت الروح قد أعيدت إلى الجسد وقد تبين من الأحاديث الأخرى أن الكافر المسؤول يعذب وأما إنكار عائشة فمحمول على غير وقت المسألة فيتفق الخبران " انتهى بلفظه
وقال الشيخ عبد الرؤوف المناوي الشافعي في " شرحه الكبير للجامع الصغير " (2) في الكلام على قوله E: " إن الميت إذا دفن يسمع خفق نعالهم إذا ولوا منصرفين " (3) ما نصه:
وعورض بقوله تعالى: {وما أنت بمسمع من في القبور} وأجيب بأن
(1) قلت: وكذا قال الطحطاوي (ص 546) . وهذا باطل فقد ثبت في بعض طرق القصة عن أنس أن رسول الله A ترك قتلى بدر ثلاثا ثم أتاهم فناداهم. . . وفيه أن عمر قال: يا رسول الله كيف يسمعوا وأنى يجيبوا وقد جيفوا؟ الحديث. أخرجه مسلم (8 / 163) وأحمد (3 / 286) من رواية ثابت عنه. ورواه حميد عنه بلفظ
قالوا " بدل " قال عمر " كما تقدم قريبا. ومعناه في طريق قتادة الذي سبق تخريجه (ص 54) فالعجب من الحافظ كيف فاته هذا وهو الذي نقل في شرحه لهذا الحديث قول السهيلي المتقدم وفيه قول الصحابة: " أتخاطب أقواما قد جيفوا " بل وذكر قبل ذلك حديث أنس هذا من طريق مسلم؟ إلا أن يقال: إن الروح تبقى مدة في جسدها بعد إعادتها إليه وهو بعيد جدا لعدم ورود نص بذلك. والله أعلم
(2) وهو المسمى ب " فيض القدير " وهو خير شروح " الجامع " وأغزرها فائدة وعلما ومؤلفه هو العلامة المحقق محمد عبد الرؤوف بن تاج العارفين المناوي القاهري من كبار العلماء بالدين والفنون توفي سنة (1031)
(3) هو بهذا اللفظ شاهد قوي لحديث أنس المتقدم (ص 56) وهو من حديث ابن عباس قال الهيثمي (3 / 54) : " رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات ". وله شاهد آخر من حديث أبي هريرة أخرجه أحمد (2 / 347 و 445) من طريقين عنه صحح أحدهما الحاكم (1 / 379) ووافقه الذهبي
[73]
السماع في حديثنا مخصوص بأول الوضع في القبر مقدمة للسؤال ". انتهى بلفظه
وفي كتاب " المفاتيح في حل المصابيح " لشرف الدين الحسين بن محمد (1) :
(قوله E: " إنه ليسمع قرع نعالهم " أي لو كان حيا فإن جسده قبل أن يأتيه الملك ويقعده حيث لا يحس بشيء. وقوله: (فيقعدان) الأصل فيه أن يحمل على الحقيقة على حسب ما يقتضيه الظاهر ويحتمل أن يراد بالإقعاد: التنبيه لما يسأل عنه والإيقاف عما هو عليه بإعادة الروح إليه) انتهى
ومما يؤيد مذهب الحنفية والموافقين لهم بعدم السماع أن الميت لو كان يسمع مطلقا لما ورد أن الروح ترجع إليه وقت المسألة في القبر ثم تذهب فافهم
والعجب من بعض من لا فهم له ممن ينتسب إلى مذهب الإمام أبي حنيفة يشيع عند العوام أن السماع مجمع عليه. وأنه أيضا مذهب ذلك الإمام الأعظم وأصحابه ممن تأخر وتقدم بزعم أنه عليه الرحمة قال: " إذا صح الحديث فهو مذهبي " (2) وأن الحديث في سماعهم قد صح ولم يعلم أن الحنفية قد تمسكوا كعائشة وغيرها بالآيتين وأولوا ما ورد بعد معرفتهم الحديثين ولعل هذا المتوهم يزعم أيضا أن النكاح بلا ولي باطل في مذهب أبي حنيفة لورود

الصفحة 73