كتاب الأحاديث الواردة في فضائل المدينة جمعا ودراسة

21…
حفظهم أو لبدعة فيهم)) (1). لذلك أخذ العلماء في التحذير من الرواية عنهم، إما بالنهي عن الأخذ عنهم، أو ببيان حالهم، للتنفير من الرواية عنهم، فروى معمر بن راشد عن أيوب بن أبي تميمة السختياني المتوفي سنة 131هـ قال: ((لا تأخذ عن عبد الكريم أبي أمية ليس بثقة)) (2).
وهكذا تكلم في الرواة أيضاً سليمان بن مهران الأعمش، وأبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، وشعبة بن الحجاج، ويحيى بن سعيد القطان، وبعد الرحمن بن مهدي، ويحيى بن معين، والإمام أحمد وغيرهم من ائمة الحديث ونقاده طبقة بعد طبقة. (3).
وقد بذلوا جهوداً عظيمة في التفيش عن أحوال الرواة، وبيان مراتبهم بما يستحقونه من توثيق او تضعيف، وعنوا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عناية منقطعة النظير، رواية ودراية.
بذلوا كل تلك الجهود من أجل صيانة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمايته من أن يزاد فيه ما ليس منه، ولم يفرقوا في ذلك في عامة كلامهم بين ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، سواء كان في الأحكام أم في الترغيب والترهيب والفضائل.
قال مسلم بن حجاج في مقدمة صحيحه: ((اعلم وفقك الله تعالى ان الواجب على كل أحد عرف التمييز بين صحيح الروايات وسقيمها، وثقات الناقلين لها من المتهمين ان لا يروي منها الا ما عرف صحة مخارجه، والستارة في ناقليه، وان يتقي منها ما كان منها عن أهل التهم والمعاندين من أهل البدع ... )) (4).
وقد ندد الإمام مسلم وغيره من ائمة الحديث بمن يتساهل في الرواية فيسوق تلك الأحاديث عن غير الموثوق بهم دون بيان لحالهم، فقال رحمه الله: (( .... الاخبار في أمر الدين انما تأتي بتحليل أو تحريم أو أمر أو نهي أو ترغيب أو ترهيب، فإذا كان الراوي لها ليس بمعدن للصدق والأمانة ثم أقدم على الرواية عنه من قد عرفه، ولم يبين ما فيه لغيره ممن جعل معرفته كان آثما بفعله ذلك، غاشا لعوام
__________
(1) ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل: (ص 160 - 161)
(2) تاريخ يحيى بن معين: (99/ 4، 253 رقم 3347، 4228).
(3) وقد أفرد لهم الذهبي كتابا باسم: ((ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل)) ذكر فيه منهم: 715 نفساً ورتبهم على الطبقات في اثنتين وعشرين طبقة إلى عصره.
(4) صحيح مسلم: (8/ 1).

الصفحة 21