كتاب الأحاديث الواردة في فضائل المدينة جمعا ودراسة

22…
المسليمن، إذ لا يؤمن على بعض من سمع تلك الأخبار، أن يستعملها، او يستعمل بعضها، ولعلها - أو أكثرها - أكاذيب لا أصل لها، مع ان الأخبار الصحاح من رواية الثقات وأهل القناعة أكثر من ان يضطر إلى نقل من ليس بثقة ولا مقنع ... )) (1).
وقال الإمام أبو إسحاق بن موسى الشاطبي - ضمن كلام له في بيان طرق أهل البدع الزائغين عن الحق - قال: ((فمنها: اعتمادهم على الأحاديث الواهية الضعيفة، والمكذوب فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي لا يقبلا أهل صناعة الحديث في البناء عليها ... )).
ثم قال: (( ... ولو كان من شأن أهل الاسلام .... الأخذ من الأحاديث بكل ما جاء عن كل من جاء لم يكن لانتصابهم للتعديل والتجريح معنى، مع أنهم قد أجمعوا على ذلك، ولا كان لطلب الإسناد معنى يتحصل، فلذلك جعلوا الإسناد من الدين، ولا يعنون ((حدثني فلان، عن فلان)) مجرداً، بل يريدون ذلك ما تضمنه من معرفة الرجال الذين يحدث عنهم، حتى لا يسند عن مجهول، ولا مجروح، ولا متهم الا عمن تحصل الثقة بروايته، لأن روح المسألة ان يغلب على الظن من غير ريبة أن ذلك الحديث قد قاله النبي صلى الله عليه سولم لنعتمد عليه في الشريعة ونسند إليه الأحكام، والأحاديث الضعيفة الإسناد لا يغلب على الظن أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها، فلا يمكن أن يسند إليها حكم فما ظنك بالأحاديث المعروفة بالكذب ... )) (2).
وكلام العلماء في هذا المعنى كثير.
وبالرغم من تلك الجهود التي سبقت الاشارة اليها شاع في العصور المتأخرة ذكر الأحاديث الضعيفة والموضوعة - بعد حذف أسانيدها - والجزم بنسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير بيان لدرجتها، ومما ساعد على ذلك مقولة ذكرها بعض العلماء وهي قولهم: ((إن الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال)) (3).
فتوسع الناس في ذلك، ولم يقتصروا على الضعيف، بل تعدوه إلى ذكر الموضوع.
حتى قال بعضهم بجواز العمل بالحديث الموضوع، إذا كان مندرجاً تحت أصل
__________
(1) صحيح مسلم: (28/ 1) وقوله ((مقنع)) بفتح الميم والنون وبينهما قاف ساكنة اي رضى يقنع به. القاموس المحيط: (ص977).
(2) الاعتصام: (224/ 1 - 225).
(3) انظر: الأذكار للنووي: (ص:5).

الصفحة 22