كتاب الأحاديث الواردة في فضائل المدينة جمعا ودراسة

23…
عام (1) ولست بصدد مناقشة صحة المقولة السابقة (2)، وإنما المقصود التأكيد على وجوب التثبت في نسبة الأحاديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى لا ينسب إليه ما لم يقله، فإن كان الحديث ضعيفاً أو موضوعاً فلابد من التنبيه عليه، لا فرق في ذلك بين أحاديث الفضائل وأحاديث الأحكام.
قال أبو زكريا يحيى بن شرف النووي: ((يحرم رواية الحديث الموضوع على من عرف كونه موضوعاً، أو غلب على ظنه وضعه، فمن روى حديثاً علم أو ظن وضعه، ولم يبين حال روايته وضعه، فهو داخل في هذا الوعيد (3) مندرج في جملة الكاذبين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبدل عليه أيضاً الحديث السابق.
(4) ز (من حدث عني بحديث يرى انه كذب فهو أحد الكاذبين).
ولهذا قال العلماء: ينبغي لمن أراد رواية حديث أو ذكره ان ينظر فإن كان صحيحاً أو حسناً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا.
أو فعله، او نحو ذلك من صيغ الحزم، وإن كان ضعيفاً، فلا يقل: قال، أو فعل، أو أمر، أو نهى، وشبه ذلك من صيغ الجزم بل يقول: روي كذا، أو جاء عنه، أو يروى، أو يذكر، أو يحكى، أو يقال، أو بلغنا، وما أشبهه)). (5).
هذا كلام النووي رحمه الله وهو من أشهر من قال بجواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، ومع ذلك ذكر ما تقدم في التحذير من نسبة ما لم يصح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد سبقه إلى التنبيه على ذلك ابن الصلاح وغيره. (6).
الا أن الكلمات السابقة الدالة على التضعيف مثل ((روي)) ونحوها أصبحت غير كافية للتنبيه على ضعف الحديث في هذا العصر لغلبة الجهل بتلك المصطلحات عند
__________
(1) انظر: قواعد في علوم الحديث لظفر أحمد التهانوي: (ص: 95).
(2) انظر الكلام عن حكم العمل بالحديث الضعيف وشروطه في الاعتصام للشاطبي (224/ 1 - 231) وقاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص: 162 - 164)، وتبين العجب بما ورد في شهر رجب للحافظ ابن حجر (ص: 21 - 22)، ومقدمتي صحيح الجامع الصغير (49/ 1 - 56) وصحيح الترغيب والترهيب (16/ 1 - 35) لناصر الدين الألباني.
(3) يعني قوله صلى الله عليه وسلم: (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) وقد تقدم (ص:19)
(4) يعني في صحيح مسلم، وقد تقدم (ص:19).
(5) شرح صحيح مسلم (71/ 1)،وقوله ((أو جاء عنه كذا)) دخول هذا اللفظ في صيغ التمريض ليس بواضح.
(6) انظر: علوم الحديث لابن الصلاح (ص:217).

الصفحة 23