كتاب الأحاديث الواردة في فضائل المدينة جمعا ودراسة

28…
وكلام ابن مهدي هذا يبين المراد من قوله السابق: ((إذا روينا في الثواب والعقاب وفضائل الأعمال تساهلنا في الأسانيد والرجال يعني: تساهلوا بالرواية عمن يهم والغالب عليه الضبط، ومثل هذا الصنف من الرواة لا ينزل حديثهم عن مرتبة الحسن، الا ما تبين انهم وهموا فيه.
أما الضعفاء الذين غلب على حديثهم الوهم فعبد الرحمن بن مهدي لا يتساهل في الرواية عنهم، بل صرح بترك حديثهم. كما تقدم.
وقال أيضاً: لا ينبغي للرجل ان يشغل نفسه بكتابة أحاديث الضعاف، فإن أقل ما فيه أن يفوته بقدر ما يكتب من حديث أهل الضعف أن يفوته من حديث الثقات)) (1).
وكلام ابن مهدي يدل دلالة واضحة على ان المراد بالتساهل عنده إنما هو تساهل نسبي.
ومما تقدم يتبين ضرورة التثبت في نسبة الأحاديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا ينسب إليه إلا ما غلب على الظن ثبوته عنه عليه الصلاة والسلام.
أما إذا كان الحديث غير ثابت فلا يجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسمل إلا مقروناً بالبيان سواء كان هذا الحديث في الأحكام أم في فضائل الأعمال حتى لا يدخل المرء في الوعيد الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم: (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)،وقوله صلى الله عليه وسلم: (من حدث عني بحديث يرى انه كذب فهو أحد الكاذبين).
وقد حرصت في هذا البحث أن أسلك هذا المسلك فلا أذكر حديثاً الا مع بيان الحكم عليه متبعاً في ذلك كلام أهل العلم بالحديث، وما قعدوه من قواعد في هذا الفن.
__________
(1) المعرفة والتاريخ للفسوي (449/ 2) وعنه الخطيب في الكفاية (ص:212).

الصفحة 28