كتاب الأحاديث الواردة في فضائل المدينة جمعا ودراسة
29…
دلالة الأحاديث الواردة في فضائل المدينة على استمرار ما اشتملت عليه من فضل
تنقسم تلك الأحاديث إلى قسمين:
قسم اتفق العلماء على استمرار ما دل عليه، ولم يخصصوها بزمندون زمن مثل الأحاديث الواردة في تحريم المدينة، وحماية المدينة من الدجال والطاعون، وفضل الصلاة بالمسجد النبوي ومسجد قباء.
وقسم آخر من الأحاديث اختلفوا في استمرار ما دلت عليه، مثل الأحاديث الواردة في كون المدينة تنفي الخبث، وإبدال من يخرج منها بخير منه، وأروز الايمان إليها، حيث خصصها بعض العلماء بزمن النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال أبو عمر بن عبد البر في قوله صلى الله عليه وسلم: (تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد) (1).
قال: ((وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((تنفي الناس)) فكلام عموم معناه الخصوص لانها لم تنف من الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته الا من لا ايمان له، ولا خير فيه ممن رغب بنفسه عن نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصرته وصحبته، والدليل على أن ذلك كلام خرج على صحبته والمقام معه في حياته، خروج الجلة من الصحابة عن المدينة بعد موته - صلى الله عليه وسلم - إلى العراق والشام وسائر بلدان الإسلام ... )) (2).
وقال القاضي عياض اليحصبي: ((الأظهر أن هذا مختص بزمن النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه لم يكن يصبر على الهجرة والمقام الا من ثبت إيمانه وأما المنافقون وجهلة الأعراب فلا يصبرون على شدة المدينة ولا يحتسبون الأجر في ذلك ... )) (3).
__________
(1) رواه البخاري في صحيحه (87/ 4 رقم 1871)، ومسلم (رقم 1382) وسيأتي تمام تخريجه برقم: (128).
(2) الاستذكار لمذاهب فقهاء الأمصار: (112/ 6).
(3) شرح صحيح مسلم للنووي: (154/ 9).