كتاب الأحاديث الواردة في فضائل المدينة جمعا ودراسة

31…
وكما حصل للعرنيين الذين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا مع راعي إبله، فخرجوا ثم قتلوا الراعي وأخذوا الابل، فأمرالنبي صلى الله عليه وسلم بقتلهم (1).
قال الحافظ ابن حجر: ((وظهر بذلك مصداق قوله صلى الله عليه وسلم (إن المدينة تنفي خبثها) (2).
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في المنافقين الذي رجعوا من أحد حين اختلف فيهم أصحابه صلى الله عليه وسلم، فقال فريق بقتلهم، وقال آخرون: لا، فقال صلى الله عليه وسلم: (إنها طيبة تنفي الخبث .. ) (3).
فإذا ثبت وقوع النفي في زمنه صلى الله عليه وسلم في بعض الأوقات لبعض الناس، فكذلك يحصل بعد زمنه صلى الله عليه وسلم، حتى يأتي وقت النفي التام بوم ترجف المدينة، كما تقدم، ولذلك ذكر الإمام مالك أن عمر بن عبد العزيز حين خرج من المدينة التفت إليها فبكى، ثم قال - لمولاه مزاحم -: ((يا مزاحم، اتخشى أن نكون ممن نفت المدينة؟)) (4).
وذكر الإمام مالك هذا القول يشعر بأنه يرى أن قوله صلى الله عليه وسلم (تنفي خبثها)،على عمومه ليس خاصاً بزمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا بزمن خروج الدجال.
والصحابة الذين خرجوا من المدينة لم يخرجوا منها رغبة عنها، وإنما خرجوا لمقاصد صحيحة كنشر العلم وفتح بلادج الشرك والمرابطة في الثغور، وهم مع ذلك على اعتقاد فضل المدينة وفضل سكناها (5)، وهكذا كل من خرج بعدهم لهذه المقاصد ونحوها لا يكونون ممن نفت المدينة، لانهم لم يخرجوا رغبة عنها.
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يخرج أحد من المدينة رغبة عنها الا أبدلها الله به خيراً منه) (6).
قال ابن عبد البر: ((هذا عندنا على حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ... وأما بعد وفاته فقد
__________
(1) روى قصتهم البخاري (335/ 1 رقم 233)، ومسلم (رقم 1671) وغيرهما.
(2) فتح الباري: (338/ 1)
(3) رواه البخاري في صحيحه (256/ 8 رقم 4589) وسيأتي تمام تخريجه برقم: (127).
(4) رواه الإمام مالك في الموطأ بلاغا (889/ 2)،ومن طرقه ابن سعد في الطبقات (396/ 5) وابن عساكر في تاريخه في ترجمة عمر بن عبد العزيز (268/ 13)، وذكره الطبري في تاريخه (482/ 6) من طريق الواقدي.
(5) انظر فتح الباري لابن حجر: (200/ 13)
(6) رواه مسلم: (رقم 1381)، ويأتي تمام تخريجه برقم (88) وانظر رقم (16، 89).

الصفحة 31