كتاب جهود الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في تقرير عقيدة السلف

حيث كان بيت أخواله مدرسته الأولى. فلم يرحل في بادئ أمره للطلب، وكان وحيد والديه، فكان في مكان التدلل والعناية.
2 - قال -رحمه الله-: "كنت أميل إلى اللعب أكثر من الدراسة، حتى حفظت الحروف الهجائية، وبدأوا يقرئونني إياها بالحركات؛ با فتحة، با.بي كسرة، بي. بو ضمة، بو وهكذا.فقلت لهم: "أو كلّ الحروف هكذا؟ فقالوا: نعم. فقلت: كفى، إني أستطيع قراءتها كلها على هذه الطريقة، كي يتركونني. فقالوا: اقرأها، فقرأت بثلاثة حروف أو أربعة، وانتقلت إلى آخرها بهذه الطريقة، فعرفوا أني فهمت قاعدتها، واكتفوا مني بذلك، وتركوني. ومن ثم حببت إليّ القراءة".
3 - وقال -رحمه الله-: "ولما حفظت القرآن، وأخذت الرسم العثماني، وتفوقت فيه على الأقران عُنيت بي والدتي وأخوالي أشدّ عناية، وعزموا على توجيهي للدراسة في بقية الفنون، فجزهتني والدتي بجملين؛ أحدهما عليه مركبي وكتبي، والآخر عليه نفقتي وزادي. وصحبني خادم، ومعه عدة بقرات. وقد هيأت لي مركبي كأحسن ما يكون من مركب، وملابسي كأحسن ما تكون فرحاً بي وترغيباً لي في طلب العلم. وهكذا سلكت سبيل الطلب والتحصيل".
تقوم الحياة الدراسية على أساس منع الكلفة، وتمام الألفة، سواء بين الطلاب أنفسهم، أوبينهم وبين شيخهم، مع كمال الأدب، ووقار الحشمة. وقد تتخللها الطرق الأدبية، والمحاورات الشعرية، ومن ذلك ما حدثنيه -رحمه الله-، قال: "قدمت على بعض المشايخ لأدرس عليه، ولم يكن يعرفني من قبل، فسأل عني: من أكون، وكان في ملأ من تلامذته، فقلت مرتجلا:
هذا فتى من بني جاكان قد نزلا
به الصبا عن لسان العرب قدعدلا
رمت به همة علياء نحوكم
إذ شام برق علوم نوره اشتعلا
فجاء يرجو ركاماً من سحائبه
تكسو لسان الفتى أزهاره حللا

الصفحة 58