كتاب جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس
وأنقصهم، فأتعرض للائمتهم فيما أوردت، وأقف موقف الاعتذار فيما له قصدت؛ وإما أن أوهم من رأى قلة جمعى، ونهاية ما في وسعى أنه ليس من أهل الفضل في تلك البلاد إلا نزر من الأعداد، فأكون بعد احتفالى لهم قد قصرت بهم، وعند اجتهادى في ذكرهم قد أخللت بفخرهم، وما أرانى مع ذلك إلا متصدياً لمذمة الطائفتين، منتظماً لتتبع الفرقتين لا سيما ولعلماء أقطار ذلك البلد في أنواع هذا المعنى كتب كثيرة العدد، منها لابن حارث، ولابن عبد البر، ولأحمد بن محمد التاريخى، وابن حيان، وسائر المؤرخين هناك على تباين مراتب جمعهم واهتمامهم، مما لو حضرنى بعضه فحذفت التكرار، واقتصرت على العيون، ووصلت به ما عندى، لا ستطيل واستكثر؛ على أنى أعلم أن هذا المقصد الذي سبق إلى تقييده المؤرخون من أسلافنا، وتلاهم التابعون لهم في ضبطه من أخلافنا، جم الفائدة، عظيم العائدة، لما فيه مما لا يخفى على متميز، إلى جهة من جهات المعرفة متحيز؛ ولحرصى على قبول هذا التنبيه، وإن قل ما عندى فيه، بادرت إلى جمع المفترق الحاضر، وإخراج ما في الحفظ منه وإتعاب الخاطر، رجاء الثواب في تنويه بعالم، وتنبيه على فضل فاضل، وتوقيف على غرض، وتحقيق لنسب أو خبر؛ ولا يخلو أن يكون في أثناء ذلك زيادة علم تقتنى، أو ثمرة أدب وشعر تجتنى.
وعلينا إن بلغنا إلى المراد، في سلوك تلك البلاد، أن نستأنف الاستيفاء مع وجود المواد إن شاء الله عز وجل، وبالله تعالى نستعيذ من موارد الزلل، وإياه نستعين على إدراك الصواب في القول والعمل، وهو حسبنا في كل أمل، ونعم الوكيل.
فأول ما نبدأ به أن نذكر وقت افتتاحها، ومن فتحها، ومن وقع إلينا
الصفحة 2
416