كتاب قواعد معرفة البدع

فإن كانت هذه العبادة قد تركها النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم - لما توفي - فعلها الصحابةُ رضي الله عنهم من بعده عُلم أنَّ ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لأجل مانع من الموانع؛ كتركه - صلى الله عليه وسلم - صلاة التراويح جماعة.
أما إذا تواطأ النبيُ - صلى الله عليه وسلم - وسلفُ الأمة من بعده على ترك عبادةٍ فهذا دليل قاطع على أنها بدعة. وإليك فيما يأتي شواهد من كلام أهل العلم تدل على تلازم هاتين القاعدتين في معرفة البدع:
قال ابن تيمية في إنكاره لبعض البدع: (ومعلوم أنه لو كان هذا مشروعًا مستحبًا يثيب الله عليه لكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أعلمَ الناسِ بذلك، ولكان يعلِّم أصحابه ذلك، وكان أصحابه أعلمَ بذلك وأرغبَ فيه ممن بعدهم، فلما لم يكونوا يلتفتون إلى شيء من ذلك عُلم أنه من البدع المحدثة، التي لم يكونوا يعدونها عبادة وقربة وطاعة، فمن جعلها عبادة وقربة وطاعة فقد اتبع غير سبيلهم، وشرع من الدين ما لم يأذن به الله (¬1).
وقال أيضًا: «فأما ما تركه [أي النبي - صلى الله عليه وسلم -] من جنس العبادات، مع أنه لو كان مشروعًا لفعله أو أذن فيه، ولفعله الخلفاء بعده والصحابة؛ فيجب القطع بأن فعله بدعة وضلالة، ويمتنع القياس في مثله» (¬2).
¬_________
(¬1) اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 798).
(¬2) مجموع الفتاوى (26/ 172).

الصفحة 87