معروفة، وأما اليقين، فقيل هو المشاهدة، وقيل العلم الذي لا يدركه رَيْبٌ وإن كان نظرياً، وقال أهل الِإشارة: اليقين هو العلم الحاصل عن العمل (¬1) وقد تقدم الكلام عليهم، وإنما أرادوا به انتفاء الريب فاساؤوا العبارة والطريق، وفي الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في عثمان بن مظعون (¬2):
"أمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ اليَقِينُ" (¬3) والله ما أدري ما يفعل به فكشف - صلى الله عليه وسلم - عن معنى اليقين، والدليل عليه أن الله فسره فقال: {عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} [التكاثر: 5 - 6]. وإذا مات ابن آدم عرض عليه مقعده بالغداة والعشيّ (¬4)، فهو من يقينه، وهي المسألة الخامسة عشر.
ثم قال: {لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} [التكاثر: 7] وهي المسألة السادسة عشر: يريد عند الورود، وتفسره، وتورده، والقول فيه إِطنابٌ (¬5) وله أطْنَابٌ (¬6).
¬__________
(¬1) انظر في تحريف "اليقين" الكفوي: الكليات: 12/ 89، 5/ 116 - 118، الجرجاني: التعريفات: 136، التهانوي: كشاف اصطلاحات الفنون: 1547 - 1548 (ط: خياط).
(¬2) هو الصحابي الجليل عثمان بن حبيب بن مظعون الجمحي، أبو السائب، من سادة المهاجرين ومن أولياء الله المتقين، توفي في حياة النبي، وهو أول من دفن في البقيع، انظر عنه: ابن سعد الطبقات: 3/ 1/ 286، البخاري: التاريخ الصغير: 1/ 20، ابن عبد البر: الاستيعاب: 8/ 60، ابن حجر: الإصابة: 5/ 396.
(¬3) هذا جزء من حديث طويل أخرجه البخاري في الجنائز: 2/ 71، وعبد الرازق الصنعاني في المصنف رقم: 20422.
(¬4) يشير المؤلف - رحمه الله - إلى ما أخرجه البخاري في الجنائز: 2/ 103 "عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: إن أحَدَكُم إذا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُة بالغَدَاةِ وَالعَشِي إنْ كَانَ مِنْ أهْل الجَنةِ فَمِنْ أهلِ الجَنةِ، وَإنْ كَان مِنْ أهْلِ النارِ فَيُقَالُ: هَذَا مَقعَدُكَ حَتى يَبْعَثَكَ الله إلَى القِيَاَمَةِ".
(¬5) الإطْنَابُ: البلاغة في المنطق والوصف.
(¬6) الأطْنَاب: جمع طُنْب، وهو الحبل الطويل الذي يشد به البيت والسرادق. والمراد القول به ضوابط وحدود.