كتاب قانون التأويل

{أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات: 12] وكذلك فاكرهوا غيبته، وإن الاغتياب قرض في العرض، وهو أعظم من قرض اللحم بالمقراض أو مثله، ولذلك قال شاعر العرب:
"وجرح اللسان كجرح اليد" (¬1)
وحقق الله التشبيه في قوله: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} للغايب بالمَيت، لأنه غاب عن ذكره كما يغيب الميت عن ذكر كل أحد، والأكل إذاية، وبه يضرب ملك الرؤيا المثل للمغتاب، أما أنه رخص فيها في أربعة مواضع:
منها التظلم عند من ترجى نصرته، بدعوة يدعو لك بها، أو بقضاء يقضي لك عليه، ومنها عند الاستياء كقول هند بنت عتبة (¬2) لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن أبا سُفْيَان رَجُل مَسِيك" (¬3).
ومنها تحذير المغتر به عنه إن أراد أن يصحبه، أو سألك عنه، ومنها اللقب الغالب عليه وفيه اختلاف (¬4).
¬__________
(¬1) هذا عجز بيت لامرىء القيس صدره: ولو عن نثا غَيْرِهِ جاءني وهو من قصيدة له مطلعها:
تَطاوَلَ لَيْلُك بالأثمُدِ ... وَنَامَ الخَلِيُّ ولم تَرقُدِ
انظر ديوانه: 185 (ط: دار المعارف 1969 بتحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم).
(¬2) هي هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف، أسلمت عام الفتح بعد إسلام زوجها أبا سفيان بن حرب، توفيت رضي الله عنها في خلافة عمر بن الخطاب. ابن سعد: الطبقات: 8/ 170، ابن عبد البر: الاستيعاب: 4/ 424، ابن حجر: الإصابة: 4/ 425.
(¬3) هو صَخْر بن حرب بن أمية رأس قريش وقائدهم يوم أحد ويوم الخندق، أسلم عام الفتح، وصلح إسلامه، وشهد حُنيناً وقتال الطائف، توفي رضي الله عنه بالمدينة سنة: 31. الفسوي: المعرفة والتاريخ: 3/ 167، ابن أبي حاتم: الجرح والتعديل: 4/ 426، ابن عبد البر: الاستيعاب: 2/ 714.
(¬4) هذا جزء من حديث صحيح رواه البخاري في المظالم والغصب: 3/ 101، ومسلم في الأقضية: 4/ 1339، وأبو داود في البيوع رقم: 3532، والنسائي في القضاء: 8/ 246.

الصفحة 674