كتاب قانون التأويل

بمجلس وفيهم أبو بكر محمد بن عبد الملك بن المرخي (ت: 536) وكان ممن حضر معهم ابن العربي فتذاكروا حديث المِغْفَر (¬1)، فقال ابن المرخي: لا يعرف إلاَّ من حديث مالك عن الزهري، فقال ابن العربي: قد رويته عن ثلاثة عَشرَ طريقاً غير طريق مالك، فقالوا: أفدنا هذا، فوعدهم، فلم يأت بشيء، فأقاموا الدنيا وأقعدوها.
وقد ذهب الناس في هذه القصة مذاهب شتى، فمنهم من أثبتها وحاول الدفاع عن ابن العربي، كالحافظ الذهبي الذي ذكر أن هذه القصة ساذجة، لا تدلّ على جرح صحيح، والشعراء يخلقون الإِفك، قال: ولعل القاضي ابن العربي وهم، وسرى فكره إلى حديث فظنه هذا (¬2)، وظلت قصة ابن العربي مع فقهاء إشبيلية لغزاً مغلقاً (¬3)، لم يهتد أحد إلى وجه الصواب فيها، حتى جاء خاتمة الحفاظ الِإمام ابن حجر العسقلاني (ت: 852) فَخَرَّجَهَا المخرج الصحيح الذي يليق بإمامنا الحافظ ابن العربي.
قال الحافظ ابن حجر في "النكت على مقدمة ابن الصلاح" (¬4):
" .. وابن مسدي تعقب هذه الحكايةَ بأن شيخه (البنَّاني) كان متعصباً على ابن العربي، يعني فلا يقبل قوله.
¬__________
(¬1) الذي رواه مالك عن الزهري عن أن بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر .. الحديث، والمغفر هو ما يغطي الرأس من السلاح كالبيضة وشبهها من حديد أو غيره. انظر: الزرقاني على الموطأ: 2/ 327، عمدة القارئ شرح صحيح البخاري للعيني: 10/ 206 - 207.
(¬2) تذكرة الحفاظ: 1297، وانظر "الأعلام" لعباس بن إبراهيم: 3/ 99 - 100.
(¬3) لست أرتاب أن هؤلاء الحسدة قد جاؤوا بالإِفك حين رَمَوْا ابن العربي بالقصور في العلم والاختلاق في الحديث، فلو كان لهذه الاتهامات نصيب من الصحة، لجرد قلمه السيال في الدفاع عن نفسه والانتصار للحق، وقد أحسن الحافظ ابن حجر عندما وضَّحَ المسألة فَخَرَّج القَوْل فيها معضوداً بالحجة، معقوداً بالنصفة، مشفوعاً بالدليل.
(¬4) "النكت" رسالة دكتوراه بتحقيق الطالب ربيع هادي عمير وإشراف د. محمد محمد أبو شهبة رحمه الله بجامعة أم القرى، الصفحات: 440 - 454.

الصفحة 96