كتاب النفح الشذي في شرح جامع الترمذي (اسم الجزء: 1)

وابن دقيق العيد ولازمه سنين كثيرة، وتخرَج عليه، وقرأ عليه أصول الفقه (¬1) وقال السيوطي: ولازم ابن دقيق العيد، وتخرج عليه، وأعاد عنده عليه يعني في الحديث، حيث كان ابن دقيق العيد شيخ الحديث بالمدرسة الكاملية بالقاهرة (¬2) وقد قال الصفدي: كان الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد يحبه، ويؤثره، ويركن إلى نقله، ثم أيد ذلك بما حكاه عن زميل لابن سيد الناس، وهو القاضي إسماعيل بن القيسراني قال: كان الشيخ تقي الدين إذا حضرنا درسه، وتكلم، فإذا جاء ذكر أحد من الصحابة، أو أحد من رجال الحديث قال: ايش ترجمة هذا يا أبا الفتح؟ فيأخذ فتح الدين في الكلام وشرد، والناس كلهم سكوت، والشيخ مصغ إلى ما يقوله أ. هـ (¬3).
ومن هذا كله يتضح أن تخريج ابن دقيق العيد له كان في علم الحديث.
غير أن الحافظ ابن حجر قال: ولازم ابن دقيق العيد، وتخرج عليه في أصول الفقه، وأعاد عنده (¬4) ولم يذكر تخرجه به ولا بغيره بها علم الحديث، مع أنه لا بد أن يكون قد تخرج في هذا العلم وأجيز بتدريسه، لكونه تولى مشيخة الحديث في الظاهرية، كما سيأتي في (وظائفه) وهذا لا يتأتى بدون إجازة وتخرج، فلعل الحافظ ابن حجر لم يذكر تخرجه بابن دقيق العيد في الحديث لظهوره، حيث إن ابن دقيق العيد أذن له بالإِعادة عنده في الحديث، وعول على كلامه فيه أثناء دروسه كما ذكرت، وهذا يقتضي تخرجه فيه، ولم أجد ذكرًا لملازمة ابن سيد الناس ومباحثته في الحديث هكذا مع أحد غير ابن دقيق العيد، فيكون ابن سيد الناس قد تخرج به في علم الأصول بجانب تخرجه به في علم الحديث.
وبهذا اكتملت لابن سيد الناس أكثر جوانب شخصيته الحديثية، رواية ودراية وتخرجًا، وتأهل بذلك لما سيأتي في جوانب الإِثمار، من أداءٍ لما تحمل، وتدريس لما تعلم، وتأليف لما تمكن من التأليف فيه.
¬__________
(¬1) طبقات الشافعية 2/ 390.
(¬2) طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 300.
(¬3) الوافي بالوفيات 1/ 291 والدرر الكامنة 4/ 331.
(¬4) الدرر الكامنة 4/ 331.

الصفحة 27