كتاب النفح الشذي في شرح جامع الترمذي (اسم الجزء: 1)

البخاري (¬1).
¬__________
= وهذا الاستدلال -فيما يبدو لي- غيرُ مستقيم، وذلك لأمرين:
أولهما: أن العموم يقتضي دخول غير أهل المدينة ومن على سَمْتها، حتى لو كان في التشريق أو التغريب، استقبال أو استدبار القبلة، وهذا خلاف الوارد في صدر الحديث نفسه -فضلًا عن غيره- من النهي عن الاستقبال والاستدبار للقبلة.
ثانيهما: أن كلا من ابن حجر والعيني ذكرا أن البخاري قد حمل الأمر في "شرقوا أو غربوا" على العموم، وأنه بهذا يُعتبَر قائلًا بعكس هذا القول السابع/ الفتح 1/ 246، 498 وعمدة القاري 2/ 279، 4/ 128، 129، فكيف يكون العموم دليلًا للقول ولعكسه؟
ولعل هذا ما جعل الشوكاني يقرر أن الاستدلال لهذا القول بعموم "شرقوا أو غربوا" استدلال في غاية الركة والضعف/ نيل الأوطار 1/ 96.
فالمناسب في الاستدلال لهذا القول، أن يُحمل عموم قوله "شرقوا أو غربوا" على خصوص المخاطبين بالحديث، وهم أهل المدنية، ويُلْحق بهم من على مِثْل سِمْتهم ممن إذا استقبل المشرق أو المغرب لم يستقبل القبلة ولم يستدبرها، حتى لا يتناقض هذا مع ما في صدر الحديث من النهي عن الاستقبال والاستدبار للقبلة. وهذا أيضًا ما تأول به الحافظ ابن حجر وغيره، حَمْلَ البخاري "شرقوا أو غربوا" على التعميم كما سيأتي في التعليق التالي لهذا.
(¬1) هكذا عزا المؤلف هذا القول للبخاري وقد ترجم البخاري في صحيحه على حديث أبي أيوب الذي معنا فقال: "باب قبلة أهل المدينة وأهل الشام والمشرق، ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة" / البخاري مع الفتح 1/ 498، فقوله: "ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة" عام، فَيُفهَم منه حملُه "شرقوا أو غربوا" على عمومها، كما قدمت، في حين أن هذا القول يقتضي حمل الأمر على خصوص أهل المدينة ومن على سمتهم، فلا يستقيم هذا مع ظاهر عبارة البخاري، وعليه فلا يعد قائلًا بهذا القول السابع وفد نُوزع البخاري في عبارته، وتصدى غير واحد من شراح صحيحه لتأويلها على معنى غير التعميم لتتفق مع =

الصفحة 596