كتاب النفح الشذي في شرح جامع الترمذي (اسم الجزء: 1)

8 - وبعضهم يشير إلى أن ذلك ممنوع في البنيان إذا كان للمتبرز عنه مَنْدُوحَة (¬1).
¬__________
= أقول: فلعل المؤلف اعتبر البخاري قائلًا بهذا القول السابع، بناء على تأول كلامه بمثل ما تأوله به هؤلاء العلماء.
أما البدر العيني فإنه بعد نقل تأويل غيره من الشراح لكلام البخاري بما يتفق مع هذا القول السابع، عاد فقال: "احتج البخاري بعموم هذا الحديث، وسوى بين الصحراء والأبنية، وجعله دليلًا للترجمة التي وضعها"، ثم رتب العيني على ذلك اعتبار قول البخارب موافقًا لقول أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين: أنه يمتنع في أي موضع الاستقبال والاستدبار للقبلة في بناء أو فضاء، كما تقدم هذا في القول الأول مما ذكره المؤلف/ انظر عمدة القاري 4/ 128، 129 وتبعه القسطلاني على ذلك/ إرشاد الساري 1/ 412 مع شرح النووي لمسلم.
أقول: فإن كان مرادهما موافقة قول البخاري مع قول أبي حنيفة وأحمد في مجرد التسوية في المنع بين البنيان والفضاء، فهذه جزئية من القولين وباقيهما مختلف كما ترى، وبناءًا على هذا الاختلاف عُد كل منهما قولًا مستقلًا، ثم إن البخاري قد ترجم قبل هذا على حديث أبي أيوب نفسه فقال: "باب لا تستقبل القبلة بغائط أو بول إلا عند البناء، جدار أو نحوه"/ البخاري مع الفتح 1/ 245 فلم يسو بين الصحراء والأبنية، كما ذكر العيني والقسطلاني، بل قال العيني هناك: والصواب أن يقال: إن الحديث عنده عام مخصوص" يعني بغير الأبنية ونحوها/ عمدة القاري 2/ 276، 279.
وعليه فالأولى حمل كلامه هنا في ترجمة قبلة المدينة والشام وما وافقهما على ما تأوله به غير العيني والقسطلاني من الشراح السابق ذكرهم، بجعله موافقًا للقول السابع، ثم تكون ترجمته السابقة بالتفريق بين الأبنية والصحراء رأيًا آخر له في الموضوع، وفيما يمكن أن يدل عليه الحديث بمفرده، أو مع ملاحظة غيره من الأحاديث التي خرجها في الموضوع، كحديث ابن عمر الآتي في الباب التالي عند الترمذي/ انظر عمدة القاري 2/ 275، 276 وفتح الباري 1/ 245.
(¬1) أي سعة وفسحة/ النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، مادة "ندح" 5/ 135.

الصفحة 598