كتاب النفح الشذي في شرح جامع الترمذي (اسم الجزء: 1)

وسبب المنع في الصحراء -فيما ذكره الأصحاب- أن الصحراء لا تخلو من مُصَلِّ من ملك، أو جِني، أو إنسي، وربما (¬1) وقع بصره على عورته.
وأما في الأبنية، فالحُشُوش (¬2) لا يحضرها إلا الشياطين، ومن
¬__________
= وقال الأبِّي: ومن العلماء من وقف، لتعارض الأحاديث، وليس بينها تعارض؛ فإن حديث عائشة وجابر مُتَكلَّم في سندهما، فلم يبق إلا أحاديث الأم -يعني الأصلية في الباب- والجمع (بينها) بما قال مالك -يعني وغيره من الجواز في الأبنية والمنع في الفضاء كما تقدم- والتعارض والنسخ إنما يكونان عند عدم إمكان الجمع/ شرح مسلم للأبي 2/ 41 مع شرحه أيضًا للسنوسي.
وعليه يكون هذا القول بالتوقف، وما يؤول إليه من الإباحة المطلقة، مردودا، ويبقى القول الراجح من هذه الأقوال كما تقدم هو القول الثالث؛ لجمعه بين مختلف أحاديث الباب، وإعمالها، وإمكان الجواب المناسب عما يُنْتَقَدُ به.
ثم إن المؤلف مع هذا التوسع لم يستوعب كل الأقوال في الموضوع، فقد ذكر الشوكاني قولًا بأن النهى للتنزيه، فتكون مخالفته بالاستقبال أو الاستدبار مكروهة، وعزاه لبعض أئمة الزيدية ولأبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين عنهم، ولأبي أيوب الأنصاري/ نيل الأوطار 1/ 94، وهذا لم يذكره المؤلف كما ترى.
(¬1) في المطبوع من شرح الرافعي "فربما" 1/ 465.
(¬2) جمع "حش" بفتح الحاء المهملة في أوله، والمراد به الكنيف وموضع قضاء الحاجة، وأصل الحش "البستان" وأُطلِق على الكنيف ونحوِه لأنهم كانوا كثيرًا ما يتغوطون في البساتين/ النهاية لابن الأثير، مادة "حش" 1/ 390.
وقال الحافظ ابن حجر: كأنه أي الرافعي يشير إلى حديث زيد بن أرقم مرفوعًا: إن هذه الحشوش مُحْتَضَرة، فإذا أتى أحدُكم الخلاء فليقل: أعوذ بالله من الخبث والخبائث، أخرجه أبو داود والنسائي وغيرهما/ التلخيص الحبير 1/ 464 بهامش المجموع.

الصفحة 600