كتاب النفح الشذي في شرح جامع الترمذي (اسم الجزء: 2)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
¬__________
= وقول ابن إسحق إنه بيطار كتب مالك، أو علمه، إشارة منه الى وجود علل قادحة فيه، وأنه خبير بها قادر على كشفها، وقد اعتبر الخطيب البغدادي أن ذلك أشد نقد وجه لمالك ممن تكلموا فيه، حيث قال: وكان أشدهم فيه كلامًا محمد بن إسحق، كان يقول: ائتوني ببعض كتبه حتى أبين عيوبه، أنا بيطار كتبه/ تاريخ بغداد 1/ 224، وقد اعتبر ابن خلكان ذلك هو الدافع لكلام مالك بدوره في ابن إسحق، فقد قال: إنما طعن مالك فيه، لأنه بلغه عنه أنه قال: هاتوا حديث مالك، فأنا طبيب بعلله، فقال مالك: وما ابن إسحق؟ إنما هو دجّال من الدجاجلة، نحن أخرجناه من المدينة، ثم علق ابن خلكان على ذلك بأن كلام مالك المذكور يشير -والله أعلم- إلى أن الدجال لا يدخل المدينة/ وفيات الأعيان 4/ 276.
ومع تعدد طرق وألفاظ تلك الروايات عن ابن إدريس كما ترى، فإنها كلها متفقة على أن كلام مالك وابن إسحق كل منهما في الآخر قد تعدد، وكان بعد خروج ابن إسحق من المدينة، وهذا يُشكل على جواب ابن حبان الآتي بعد قليل، بأن مالكًا تكلم في ابن إسحق مرة واحدة، ورجع عنها، لما تصالح الرجلان عندما عزم ابن إسحق على مغادرة المدينة، وأيضًا خرج العقيلي بسنده عن يحيى بن سعيد القطان أنه سمع مالك بن أنس يقول: يا أهل العراق، من يَغُت عليكم بعد ابن إسحق؟ 4/ 27، وأخرج ابن عدي أيضًا تلك الرواية بسنده عن يحيى القطان أنه سمع مالك بن أنس يقول: يا أهل العراق لا يغت عليكم أحد بعد ابن إسحق/ الكامل 6/ 2117، فهذه الرواية بلفظيها المذكورين واضحة الدلالة على أن مالكًا قال ذلك في ابن إسحق بعد خروجه من المدينة، بل ربما تشير إلى صدورها منه بعد وفاة ابن إسحق، حيث توفي ببغداد ودفن فيها سنة 150 هـ كما قال ولده/ تاريخ بغداد 1/ 233، وذلك في حياة مالك رحمه الله كما لا يخفى، وقوله: "يغت عليكم" مأخوذ من "الغت" وهو يطلق على فساد الشيء وتغطيته بما يخفيه ويستره/ المعجم الوسيط مادة "غت" 2/ 644، فلعل مالكًا يشير بذلك الى تدليس ابن إسحق - كما وصفه به غيره فيما سيأتي، أو يشير الى اتهامه بالكذب كما تقدم عنه صراحة. =

الصفحة 729