كتاب النفح الشذي في شرح جامع الترمذي (اسم الجزء: 2)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
¬__________
= عليه رأي الجمهور من أن حديث الثقة، المنفرد به، صحيح لذاته، ما لم تكن فيه علة أخرى قادحة. أو كان شاذًّا، وهذا هو ما عاد إليه المؤلف هنا ليتفق مع ما قرره من صحة حديث ابن إسحق مطلقًا، لا حين قرر قبل ذلك خلافه، حيث إن قوله الآنف بعدم صحة حديث الثقة إذا انفرد، قد تقدم في أوائل هذا الشرح كما بيّنته، وقوله بتصحيح حديث ابن إسحق متأخر عنه، حيث ذكره في الباب الثامن عشر من كتاب الطهارة وهو باب ما جاء في السواك، كما أن قوله بكفاية الوصف بالثقة لصحة حديثه، قد قرره في كتابه "عيون الأثر" كما مر، ثم أحال عليه في الباب المذكور عند القول بتصحيح حديث ابن إسحق، فلعل هذا يعتبر رجوعًا منه إلى رأي الجمهور.
أما الأمر الثاني: في كلام المؤلف فهو أنه لم يُجب عن وصف ابن معين لابن إسحق بأنه "صدوق"، وهو لفظ مرتبته أدق مراتب التوثيق للراوي المحتج به، حيث إنه يطلق -بصفة عامة- على من كان مشهورًا بالصدق والستر، وإن كان متأخرًا عن درجة الحافظ الضابط، قال السيوطي: وقد عُلِم أن من هذا حاله فحديثه حسن/ التدريب 1/ 175 وانظر فتح المغيث للسخاوي 1/ 67، فكان على المؤلف أن يجيب عن وصف ابن معين لابن إسحق بلفظ "صدوق" حتى يَسلَم له ترجيح وصفه بالثقة، وبالتالي تصحيحه لحديثه.
وبعد تلك الأقوال التي أمكن الرد عليها من أقوال ابن معين، يبقى النظر في الأقوال الأخرى التي تضمنت توثيق ابن إسحق مطلقًا، وإن تفاوتَت، والتي تضمنت تضعيفًا مجملًا له، وكلها في مرتبة الضعيف المنجبر، وبتأمل هذه وتلك، نجد أنه يمكن الجمع بينها، كما أشار إلى ذلك يعقوب بن شيبة فيما سبق، نقلًا عن ابن معين نفسه، فقد سأله يعقوب: كيف محمد بن إسحق عندك؟ قال: ليس بذاك، ولم يُثبِّته، وضعفه، ولم يضعفه جدًّا، قال يعقوب: فقلت له: ففي نفسك مِنْ صدقه شيء؟ قال: لا، كان صدوقًا. فمجموع العبارة يفيد أن ابن معين جعل لابن إسحق حالًا وسطًا من القبول، ويؤيده قول البخاري السابق: إن ابن معين احتمل ابن إسحق، فكونه "لم يُثَبِّتْه" يفيد أنه أنزله عن مرتبة =