كتاب الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم - (اسم الجزء: 1)

يهاجر إلى مثلها. فإنّه من مهاجرة الحبشة, فمن يرائي بذلك, وإلى أيّ غرض يتوصّل؟ فقبّح الله من يجترىء على الله ببهت أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , فإن كان صدر من حذيفة شيء من ذلك فلعلّه تأوّل في ذلك وغلط فيه, وربّما أخذ ذلك من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الإمام عليّ ... - رضي الله عنه -: ((لا يحبّك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق)) (¬1). وأخذ بغضه لعليّ - رضي الله عنه - من تخلّفه عنه, وهذا كلّه ضعيف, فإنّ التّخلّف لا يدلّ على البغض, ولا يستلزم استخراج النّفاق, فقد تخلّف عنه من أعيان الصّحابة مثل: ابن عمر, وعمران بن حصين, -الذي كانت الملائكة تسلم عليه- وأبي سعيد الخدريّ, وأسامة بن زيد حبّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , وهو الذي قال لعليّ - رضي الله عنه -: والله لو كنت شدق الأسد ما تخلّفت عنك, ولكنّي أقسمت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا قاتلت بعده أحداً ممن يشهد أن لا إله إلا الله.
على أنّ بغض علي - رضي الله عنه - إنّما كان علامة للنّفاق في أوّل الإسلام, فإنّ المنافقين كانوا يبغضون من كان فيه قوّة على الحرب لكراهتهم لقوّة الإسلام, ولذلك جاء في الحديث أيضاً: ((أنّ بغض الأنصار علامة النّفاق)) (¬2) لهذا المعنى, (1 وكذلك حبّهم وحبّ عليّ كان في ذلك الزّمان علامة الإيمان (¬3) لهذا المعنى, فأمّا في الأعصار المتأخّرة عن أوّل الإسلام فلا يدلّ على ذلك, فإنّ الخوارج
¬_________
(¬1) تقدم تخريجه (ص/94).
(¬2) أخرجه مسلم برقم: (78).
(¬3) ما بينهما تكرر في (أ).

الصفحة 292