كتاب الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم - (اسم الجزء: 2)
[على التّجوّز] (¬1) بها متى كان العقل يقطع على أنّ المتكلّم ممّن لا يصح منه إرادة ظاهر كلامه, فلهذه النّكتة يختلف الاستدلال بها: فيصح في مواضع فيما بين النّاس ولا يصح مثله في كلام الله تعالى, وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - , مثال ذلك: أنّا نفهم التّجوّز في قول الشّاعر:
شكا إلىّ جملي طول السّرى يا ... جملي ليس إليّ المشتكى (¬2)
وذلك لأنّ العادة جرت أنّ العجماوات لا تكلّم النّاس, فأمّا ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال: ((إنّ هذا الجمل شكا عليّ أنّك تجيعه وتُدئِبه)) (¬3) فلا يفهم منه التّجوّز؛ لأنّا لم نعلم ولا نظنّ امتناع الظّاهر في حقّه - صلى الله عليه وسلم - , بل يجوز مثل ذلك لكبار أولياء الله تعالى وخواصّ عباده الصّالحين نفع الله بهم. ومن ههنا اختلف كثير من المحدّثين والمعتزلة في تأويل كثير من الأحاديث والآيات مثل قوله تعالى: ((وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم)) [الإسراء/44]. فالمعتزلة حملوه على المجاز لظنّهم أنّ الظّاهر لا يصح, وأهل الحديث لم (¬4) يتأوّلوه, لقطعهم على أنّه لا مانع من صحّة الظّاهر, بالنّظر إلى قدرة الله تعالى وعلمه, فإنّه تعالى قادر على إنطاق كلّ شيء
¬_________
(¬1) سقطت من (أ).
(¬2) في هامش (أ) كتب: ((بعده:
* صبر جميل فكلانا مبتلى*))
(¬3) في (س): ((وتعذّبه))! والحديث أخرجه أبو داود: (3/ 50) , والحاكم (2/ 100) , والبيهقي في ((الكبرى)): (8/ 13). وأصله في مسلم برقم (342) بدون القصة.
(¬4) سقطت من (س)!.