كتاب الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم - (اسم الجزء: 1)

وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلاَمَ دِيناً} [المائدة:3]. فكمل الدين في ذلك الزّمان, ووضحت الحجّة والبرهان, ودحضت وساوس المشبّهين؛ وانحسمت مواد المبطلين, إذ لا حجّة على الله بعد الرّسل لأحد من العالمين, بنصّ كتابه المبين.
هذا؛ وإنّي لما رَتَبْت (¬1) رتوب الكعب في مجالسة العلماء السّادة, وثبتُ ثبوت القطب في مجالس العلم والإفادة, ولم أزل منذ عرفت شمالي من يميني مشمّراً في طلب معرفة ديني, أنتقل في رتبة الشّيوخ من قدوة إلى قدوة, وأَتَوَقَّل (¬2) في مدارس العلم من ربوة إلى ربوة, ولم يزل يراعي بلطائف الفوائد نَوَاطِف, وبناني للطف المعارف قَوَاطِف: لم يكن حتماً أن يرجع طرف نظري عن المعارف خاسئاً حسيراً, ولم يجب قطعاً أن يعود جناح طلبي للفوائد مَهيضاً كسيراً, ولم يكن بدعاً أن تنسّمت من أعطارها روائح, وتبصّرت من أنوارها لوائح, أشربت قلبي محبّة الحديث النّبوي, والعلم المصطفوي, وكنت ممن يرى الحظ الأسنى في خدمة علومه, وتمهيد ما تعفَّى من رسومه.
ورأيت أولى ما اشتغلت به: ما تعيّن فرض كفايته بعد الارتفاع, وتضيّق وقت القيام به بعد الاتساع, من الذَّبَّ عنه, والمحاماة عليه, والحثّ على اتّباعه والدُّعاء إليه.
¬_________
(¬1) رتب الشيء: ثبت ودام, يقال: رتب فلان رتوب الكعب, في المقام الصعب. انظر ((أساس البلاغة)): (ص/153).
(¬2) أي: أصعد, والتوقّل: الصعود. انظر: ((اللسان)): (11/ 733).

الصفحة 6