كتاب السيرة النبوية - دروس وعبر

المهاجرين والأنصار، ومن كان حول المدينة من المسلمين، لم يتخلف منهم أحد، ولما كان الجيش في ظاهر المدينة يتأهب للمسير ابتدأ مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه، فتوقف الجيش عن السير انتظاراً لشفاء الرسول، ورغبة في تلقي تعاليمه وهديه، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي بعد أيام، واختاره الله إلى جواره بعد أن أدى الأمانة وبلغ الرسالة، وهيأ جزيرة العرب كلها لحمل لواء الاسلام، ونشر حضارته وتعاليمه في أنحاء الأرض، وبعد أن تكون الجيش الذي يقوم بحمل أعباء هذه الأمانة العظيمة الأثر في التاريخ، بعد أن تهيأ جنوده الصالحون لخوض معاركها، والقادة الأكفاء لقيادة حروبها، والرجال العظماء الصالحون لادارة دولتها، فصلى الله وسلم على رسوله، وجزاه الله عنا وعن الانسانية خير الجزاء، فلولاه ولولا جنوده الأوفياء الذين أدّوا الأمانة من بعده لكنا الآن في ضلال مبين.
لقد أكرم الله رسوله بما لم يكرم نبياً من قبله، إذ طالت حياته حتى رأى ثمرة دعوته وكفاحه تلف الجزيرة كلها، فتطهرها من الأوثان تطهيراً أبدياً، وتجعل الذين حطموا هذه الأصنام بأيديهم فرحين بنعمة الله في إنقاذهم من الضلال، هم الذين عبدوها من قبل، وعفّروا لها وجوههم بالسجود لها، وطلب الزلفى عندها، ثم تجعل هؤلاء مستعدين تمام الاستعداد للانسياح في الارض، يحملون إلى الناس نور الهداية التي أنعم الله عليهم بها، إنه جيل واحد هو الذي كان يعبد الأصنام ويؤلِّهها، ويعيش في جاهليته هملاً مبعثراً الكفاءات والمواهب، ثم هو الذي حطم الأوثان، وأقام الدولة العربية الأولى في تاريخ العرب كله،

الصفحة 168