كتاب الهمة طريق إلى القمة

وليتذكر صاحب الهمّة العالية أن أحبّ الأعمال إلى الله ((أدومها وإن قل)) (¬1) , فهمة متوسطة العلو تدوم خير من همة عظيمة متقطعة.
ولنسق إليك أخي ثلاثة أمثلة نهديها إليك فيها دلالة على ما نقول, وبها يختم هذا البحث إن شاء الله تعالى:
أما المثال الأول فهو الإمام أبو القاسم بن عساكر (¬2) فقد قال عنه أبو المواهب بن صَصْرَي (¬3):
((لم أرَ مثله, ولا من اجتمع فيه ما اجتمع فيه من لزوم طريقة واحدة مدة أربعين سنة, من لزوم الصلوات في الصف الأول إلا من عذر, والاعتكاف في شهر رمضان وعشر ذي الحجة, وعدم التطلع إلى تحصيل الأملاك وبناء الدور, قد أسقط ذلك عن نفسه, وأعرض عن طلب المناصب من الإمامة والخطابة وأباها بعد أن عرضت عليه, وأخذ نفسه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, لا تأخذه في الله لومة لائم)) (¬4).
وهذا الشيخ كمال العباسيّ الكجراتيّ الهنديّ (¬5) , كان ((من عوائده أنه كان يستيقظ في الليل إذا بقي ثلثه فيغتسل ويتهجد,
¬_________
(¬1) أخرجه البخاري عن عائشة رضي الله عنها في كتاب الرقاق: باب القصد والمداومة على العمل.
(¬2) الإمام العلامة، الحافظ محدث الشام، ثقة الدين أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الدمشقيّ الشافعيّ، ولد سنة 499، وغلب عليه الحديث فاشتهر به وبالغ في طلبه، ورحل ولقي المشايخ، وكان ديناً، صنف التصانيف المفيدة أجلّلها ((تاريخ دمشق))، توفي رحمه الله تعالى سنة 571 بدمشق. انظر ((وفيات الأعيان)): 3/ 309 - 311.
(¬3) الحسن بن هبة الله بن محفوظ بن صصري الربعيّ التغلبيّ الدمشقيّ, أبو المواهب, من حفاظ الحديث, وكان محدث دمشق, له بعض المصنفات, توفي سنة 586 عن قرابة 50 سنة رحمه الله تعالى. انظر ((الأعلام)): 2/ 225.
(¬4) تذكرة الحفاظ: 4/ 1332.
(¬5) الشيخ العالم الكبير المفتي كمال محمد العباس الكجراتيّ الهنديّ, أحد العلماء المبرزين في الفقه والأصول والعربية, ولد ونشأ بأحمد آباد, واشتغل بالعلم من صباه حتى برع وفاق أقرانه, وولي الإفتاء فاشتغل بالفتيا والتدريس 30 سنة, توفي سنة 1013. انظر ((الأعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام)): 5/ 342 - 343.

الصفحة 72