كتاب تبسيط العقائد الإسلامية

والرسالات ترعى مع ذلك التواؤم بين الإنسان وبين ما يحيط به من جميع المخلوقات سواء منها الحيوانات والحشرات والنباتات والبحار والجبال وغيرها، وهذا الشمول الناجح المؤتلف مع جميع الأشياء المعالج لجميع الأمراض، المدرك لخفيات الأمور، الذي يتحسس نبضات القلوب فيرعاها، وخلجات النفوس فيحنو عليها لم يوجد لأي فيلسوف ظهر على وجه الأرض.
5 - من التاريخ الإنساني ندرك أن الفلاسفة لم ينجحوا في إقامة دولة أو أمة على فلسفتهم ومبادئهم، وذلك بسبب عجز الفلاسفة عن سد حاجة البشرية، ومن قيل عنه: إن أمة من الأمم قامت على فلسفته فإنك بالبحث ترى أن الفلسفة التي جاء بها الفيلسوف ليست هي التي جمعت عليها الأمة، وإنما هناك مؤثر آخر هو القوة والضغط، والتعذيب، والتنكيل، فهي ليست أمة قائمة على فلسفة اقتنعت بها، وإنما هي فلسفة ضيقة عذبت في سبيلها أمة، وحطمت نفوسا بشرية، وجعلت الحياة على سعتها سجنا لأهلها. فأين هذا من قول الله لرسوله: {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} (¬1).
وقوله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ (21) لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ (22)} (¬2).
ولذلك نجح الأنبياء نجاحا منقطع النظير في تكوين الأمم التي آمنت برسالتهم، ونجحوا في إسعادهم وإعزازهم، وفي توفير حياة الحرية والكرامة والسيادة والقوة لهم، ما دام المؤمنين ملتزمين بتعاليم هؤلاء الأنبياء. وذلك أمر لا يشك فيه عاقل.
¬_________
(¬1) الكهف: 29.
(¬2) الغاشية 21 - 22.

الصفحة 120