فبلغنا ونحن بالمدينة أن رجلا قد خرج بمكة يزعم أن الله تعالى أرسله، فمكثنا ما شاء الله أن نمكث، فهاجر إلينا وقدم علينا، فقلت: والله لأجربنه، فذهبت إلى السوق فاشتريت لحم جزور بدرهم، ثم طبخته، فجعلت قصعة من ثريد، فاحتملتها حتى أتيته بها على عاتقي، حتى وضعتها بين يديه فقال: " ما هذه، أصدقة أم هدية؟ " قلت: بل صدقة، فقال لأصحابه: " كلوا باسم الله "، وأمسك ولم يأكل، فلبثت أياما ثم اشتريت لحما أيضا بدرهم فأصنع مثلها، فاحتملتها حتى أتيته بها فوضعتها بين يديه، فقال: " ما هذه، هدية أم صدقة؟ " قلت: بل هدية، فقال لأصحابه: " كلوا باسم الله " وأكل معهم، قلت: هذا والله يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، فنظرت بين كتفيه فرأيت خاتم النبوة مثل بيضة الحمامة فأسلمت، ثم قلت له ذات يوم: يا رسول الله، أي قوم النصارى؟ قال: " لا خير فيهم " وكنت أحبهم حبا شديدا لما رأيت من اجتهادهم، ثم إني سألته أيضا بعد أيام: يا رسول الله، أي قوم النصارى؟ قال: " لا خير فيهم ولا فيمن يحبهم " قلت في نفسي: فأنا والله أحبهم. قال: وذاك والله حين بعث السرايا وجرد السيف، فسرية تدخل، وسرية تخرج، والسيف يقطر، قلت: يحدث بي الآن أني أحبهم فيبعث إلي فيضرب عنقي، فقعدت في البيت، فجاءني الرسول ذات يوم فقال: " يا سلمان أجب " قلت: من؟ قال: " رسول الله، صلى الله عليه وسلم " قلت: هذا والله الذي كنت أحذر، قلت: نعم، أن اذهب حتى ألحقك، قال: " لا والله حتى تجيء " وأنا أحدث نفسي أن لو ذهب أن أفر، فانطلق بي فانتهيت إليه، فلما رآني تبسم وقال لي: " يا سلمان، أبشر فقد فرج الله عنك " ثم تلا علي هؤلاء الآيات {الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون. وإذا يتلى عليهم قالوا @