كتاب الأحاديث الطوال للطبراني - ط المكتب الإسلامي

المجلس، ويأمر بذلك، ويعطي كل جلسائه بنصيبه، لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه، من جالسه أو قاومه في حاجة صابره حتى يكون هو المنصرف، ومن سأله حاجة لم يرد إلا بها أو بميسور من القول، قد وسع الناس منه بسطته وخلقه، فصار لهم أبا، وصاروا في الحق عنده سواء، مجلسه مجلس حلم، وحياء، وصبر، وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا تؤبن فيه الحرم، ولا تنثى فلتاته، متفاضلين، متعادلين فيه بالتقوى، متواضعين، يوقرون الكبير، ويرحمون الصغير، ويؤثرون ذا الحاجة، ويحفظون الغريب ". قلت: كيف كانت سيرته في جلسائه، قال: " كان رسول الله دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ، ولا غليظ، ولا صخاب، ولا فحاش، ولا غياب، ولا مداح، متغافل عما لا يشتهي، ولا يوئس منه، ولا يخيب فيه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء، والإكثار، ومما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحدا، ولا يعيره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه، وإذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رءوسهم الطير، وإذا سكت تكلموا، ولا يتنازعون عنده، من تكلم أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم عنده حديث أوليتهم، يضحك مما يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته، حتى إذا كان أصحابه ليستجلبونهم، ويقول: " إذا رأيتم طالب الحاجة يطلبها فأرشدوه "، ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوزه فيقطعه بنهي أو قيام ". قلت: كيف كان سكوته؟ قال: " كان سكوت رسول الله صلى الله عليه وسلم على أربع: على الحلم، والحذر، والتقدير، والتفكر، فأما تقديره ففي تسويته النظر والاستماع بين الناس، وأما تفكره أو قال: تذكره ففيما يبقى ويفنى، وجمع له الحلم في الصبر، وكان لا@

الصفحة 67