كتاب الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار (اسم الجزء: 1)

والإهلاك يكون كقوله:1 {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ} 2 فنقول له: الحجة ثابتة3 عليك مع هذا لأنه إذا أراد عقابه أو هلاكه فإرادته بذلك قديمة على ما مضى، وعندك أن الله لم يرد عذاب أحد إلا بعد أن عصاه4، والإرادة عندك محدثة5 وهذا كفر؛ لأن ذلك يقتضي إحداث إرادة قبلها لتحدث عنها الإرادة إلى ما لا يتناهى6، والله ليس بمحل للحوادث7.
وأما احتجاجك بقوله تعالى: {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ} 8، فهي حجة عليك لا لك، لأن معنى قوله: {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ} أي: أفمن سبق عليه القول، أو أفمن وجب عليه في علم الله أنه يدخل النار ينجو أو يتخلص فحذف ينجو ويتخلص9 وهي كقوله: {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى
__________
1 كقوله من - ح - وليست في الأصل ولابد من إثباتها لتستقيم الجملة.
2 الزمر آية (19) .
3 في - ح- (الثابتة.
4 في - ح - (عصيانه) .
5 تقدم قول المعتزلة في الإرادة. انظر: التعليق ص 329.
6 في - ح - (ما يتناهى) .
7 مراد المصنف - رحمه الله - هنا بقوله: "والله ليس بمحل للحوادث" أي بمحل للمخلوقات لأن المعتزلة ينفون أن يكون لله إرادة تتعلق به جل وعلا، بل يزعمون أن الله مريد بإرادة حادثة أي مخلوقة يخلقها لا في محل كما قالوا في كلامه جل وعلا أنه يتكلم بكلام يخلقه، وهذا عائد لنفيهم الصفات عن الله عزوجل، ونفي حلول الحوادث بالله عزوجل لفظة مجملة قد يراد بها نفي الأفعال عن الله عزوجل التي يفعلها الله في الوقت الذي يشاء كالكلام والنزول والاستواء والرضا والغضب ونحوهما، فيكون هذا معنى باطلاً وهو الذي يقصده أكثر المتكلمين من الأشاعرة والماتريدية وغيرهم من هذه الجملة، وقد دلت الأدلة من القرآن والسنة على أن الله يفعل به الحوادث على هذا المعنى ومن أنكر ذلك لا دليل شرعي عنده ولا عقلي صحيح، وقد يراد بها معنى صحيحاً وهو نفي حلول المخلوقات بذات الله عزوجل هو مراد المصنف بها هنا، وهذا معنى صحيح فإن الله عزوجل بائن من خلقه لا تحل به المخلوقات ولا يحل بها.
8 الزمر آية (19) .
9 ذكر هذا القول القرطبي، وفي الآية تقدير آخر هو (أفأنت تنقذه) . انظر: تفسير القرطبي 15/244، 245.

الصفحة 266