كتاب الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار (اسم الجزء: 1)

50- فصل
استدل المخالف القدري على أن أفعال المعصية مكروهة عند الله بقوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقّ} ثم قال بعد ذلك {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً} 1، وإذا كان مكروها عند الله فكيف يريده لأنه يستحيل أن يكون مريدا للشيء كارها له.
والجواب: أن ما2 يستحيل ويتنافض أن لو قلنا إنه أمر به وأوجبه أو استحب وقوعه3، وكرهه وأما إذا قلنا بل نهى عنه وحرمه وجعله سيئه ومكروها في حق المنهي عنه وأراد4 مع النهي عنه فلا يتناقض ولا يستحيل، كما أنه أراد خلق الكفار وإبليس وعلم أنهم يخالفون أمره فهو5 يبغضهم ولا يحبهم، فإذا لم يستحل إرادته لخلقه لهم مع بغضه لهم لم يستحل إرادته لأفعالهم مع كراهيته لها.
__________
1 الإسراء الآيات (31-32-33، 38) .
2 هكذا في الأصل وفي - ح - (أن ذلك إنما) .
3 قوله (أو استحب وقوعه وكرهه) يقصد بذلك أن يجمع في الفعل بين الحب والكراهة.
4 هكذا في النسختين ولعلها (وأراده) والمراد هنا بالإرادة إرادة الخلق والتكوين والإيجاد، لأن الله قد بين لنا في آيات عديدة أنه لا يأمر بالفحشاء، وأنه لا يحب الفساد ولا يرضاه، وقد تقدم بيان أن الإرادة في كتاب الله نوعان إرادة كونية قدرية وإرادة دينية شرعية. انظر: ص 329- 330.
5 في - ح- (وهو) .

الصفحة 314