كتاب الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار (اسم الجزء: 1)

51- فصل
استدل القدري بقوله تعالى: {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} 1، والمحبة والإرادة واحدة لأنه لا يجوز نفي أحدهما وإثبات الأخرى2، فلا يجوز أن يقول قائل: أريد أن تأكل طعامي وما أحب أن تأكله، ولا أن يقول: أحب أن تأكل طعامي وما أريد أن تأكله، ولو قال ذلك لعد متناقصا وصار بمنزلة من قال: أريد أن تأكل طعامي وما أريد أن تأكله.
والجواب: أنا لا نسلم له أن المحبة هي الإرادة بدليل قوله تعالى: {فَإِنَّ3 اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} 4، ومعلوم أنه أراد وجودهم وخلقهم، وإنما معنى أنه لا يحبهم أي لا يرضى عملهم أو لا يغفر لهم5، فيكون معنى قوله: {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} أي لا يرضاه ربنا كقوله: {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} 6 أي لا يرضاه لهم دينا وإن أراد وقوعه منهم.
وأما قول هذا القائل: لا يجوز أن يقول: أريد أن تأكل طعامي وما أحب أن تأكله، فغير صحيح، فإن الإنسان قد يريد أكل طعام يبغضه7، ولا يحبه لعلة لا يقفها أكله8.
__________
1 البقؤة آية (205) .
2 تقدم بيان أن المعتزلة لا يفرقون بين الإرادة والمحبة ويجعلون الإرادة مستلزمة للأمر، والأمر دليل على الإرادة وكل ما أراده الله أمر به وأحبه ورضيه. انظر: ما تقدم ص 329.
3 في كلا النسختين (أن) والصواب ما أثبت.
4 آل عمران آية (32) .
5 هذا إذا ماتوا وهم كفار فإن الله لا يغفر لهم.
6 الزمر (7) .
7 في - ح- (من يبغضه) .
8 هكذا في الأصل وفي نسخة - ب - كتبها (لا يفقهها) وفي - ح - (لا يقفها إلا أكله) ولم يتبين لي المراد منها ومعنى الكلام في الجملة واضح وهو (أنه قد يريد الإنسان أكل طعام لا يحبه لمرارته وإنما أكله لقول الطبيب الحاذق) .

الصفحة 315