كتاب الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار (اسم الجزء: 2)

صار إبراهيم مستشعرا لورود الأمر بالذبح ولذلك قال الله: قد صدقت الرؤيا.
ومنهم من قال: إنما أمره بالذبح وأن إبراهيم - رضي الله عنه - كان كلما فرى المَذْبَح من جانب التحم ما فراه فعلى كلا الأمرين، فقد1 فعل إبراهيم ما أمر به2.
والجواب: عن القول الأول من أوجه:
أحدها: أنه خلاف القرآن؛ لأن الله أخبر عنه أنه قال: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} 3، وروي أن الله لما بشره بإسحاق قال هو إذاً لله ذبيحاً4،
__________
1 في - ح- (القولين قد) .
2 في - ح- (ما أمره) .
3 في - ح- بزيادة (فانظر ماذا ترى) .
4 اختلف العلماء في الذبيح من هو فقال جماعة: إن الذبيح هو إسحاق عليه السلام وممن روي عنه هذا القول من الصحابة عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وابن عباس في رواية، وابن مسعود، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمر - رضي الله عنهم -، وهو قول جماعة من التابعين، وممن قال به الإمام مالك وهو اختيار ابن جرير الطبري، وهو قول المصنف.
القول الثاني: إن الذبيح هو إسماعيل عليه السلام، وروي هذا عن جماعة من الصحابة هم أبو هريرة، وعامر بن واثلة، ورواية عن ابن عمر، وابن عباس - رضي الله عنهم -، وبه قال من التابعين سعيد بن المسيب، والشعبي، ويوسف بن مهران، ومجاهد، والربيع بن أنس، ومحمد بن كعب القرظي، وعلقمة، والحسن البصري، وأبو عمرو بن العلاء، وهو الثابت عن الإمام أحمد وهو الذي رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية ابن كثير وقال بعد أن ذكر القائلين بأنه إسحاق: وهذه الأقوال والله أعلم كلها مأخوذة عن كعب الأحبار فإنه لما أسلم في الدولة العمرية جعل يحدث عمر - رضي الله عنه - عن كتبه قديماً، فربما استمع له عمر - رضي الله عنه - فترخص الناس في استماع ما عنده وتقبلوا ما عنده غثها وثمينها، وليس لهذه الأمة - والله أعلم - حاجة إلى حرف واحد مما عنده. وقد ذكر شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى الأدلة على أنه إسماعيل عليه السلام، وقال: إنه الذي يجب القطع به وهو الذي عليه الكتاب والسنة والدلائل المشهورة وهو الذي تدل عليه التوراة التي في أيدي أهل الكتاب، ثم ذكر الأدلة على ذلك. فتراجع القول الثالث: الوقف في ذلك لعدم الدليل المرجح، وبه قال الزجاج ومال إليه الشوكاني في فتح القدير. انظر: تفسير ابن جرير 23/76-86، تفسير القرطبي 5/99-101، تفسير ابن كثير 4/17-18، فتح القدير 4/403-404، مجموع الفتاوى 4/33، 336، البداية والنهاية 1/171، 174.

الصفحة 318