كتاب الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار (اسم الجزء: 2)

54- فصل
استدل المخالف بقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً} 1 فأخبر الله تعالى أنه يريد لهم الهداية والبيان والتوبة، وأن المتبعين للشهوات يريدون منهم الميل عن الصواب.
والجواب: أنه لا حجة للمخالف بما ذكر، لأنا ننكر أن الذين يتبعون الشهوات يريدون الميل عن الحق، ولكنا نقول إن الله تعالى أراد وجودهم وخلقهم وأراد إرادتهم وخلقها بدليل قوله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} 2، وإرادتهم صفة لهم، وصفاتهم مخلوقة لله تعالى كألوانهم وهيآتهم.
وبيان معنى الآية أن الله سبحانه لما بين المحرمات في النكاح، وبين لهم من يحل لهم نكاحه من الإماء قال: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} 3 يعني لبين لكم حلال النكاح وحرامه ويعرفكم العدد4 في تزويجكم الإماء إذا لم تقدروا على تزويج5 الحرائر، ثم قال {وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} أي يرشدكم سنن6 الأنبياء والذين من قبلكم من المؤمنين أي شرائعهم {وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ} يعني يتجاوز عنكم من نكاحكم إياهن قبل التحريم، {وَاللَّهُ عَلِيمٌ} بما يدخل في الأمور المحظورة التي بين أمرها {حَكِيمٌ} في جميع ذلك {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} يعني من نكاحكم7 إياهن قبل التحريم، وهذا
__________
1 النساء آية (27) .
2 الإنسان آية (30) .
(لبين لكم) ليست في-ح-.
4 هكذا فيا لنسختين والمراد بها هنا غير واضح.
5 التزويج: الاقتران ومنه قوله عزوجل: {أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثاً} . انظر: لسان العرب 3/1886.
(سنن) ليست في - ح-.
7 في - ح- (نكاحهم) .

الصفحة 328