كتاب الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار (اسم الجزء: 2)

55- فصل
ومن الأدلة المذكورة لنا في الرسالة مما روي عن ابن عباس – رضي الله عنه - أنه قال: "الإيمان بالقدر نظام التوحيد فمن آمن بالله وكذب بالقدر كان تكذيبه بالقدر نقضاً لتوحيده"1.
وصدق – رضي الله عنه -، فإنه لا يصلح للقدري القول بالتوحيد إلا وناقضه، لأن الله سبحانه نبه على وحدانيته بقوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} 2، وقوله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} 3.
ومعنى قوله: {لَفَسَدَتَا} لوقع الخلاف والتضاد كما نرى ذلك في الشاهد في ملوك الدنيا، ولكان إذا أراد أحدهما شيئاً أمكن الآخر خلافه فيفسد التدبير4 وحقق الموحدون التغالب5 والتمانع6 في المعنى المراد بقوله: {إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} .
__________
1 أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في السنة (2/422) ، واللالكائي في السنة 4/623-670، والآجري في الشريعة ص 215، ونسبه في مجمع الزوائد إلى الطبراني في الأوسط. المجمع الزوائد 7/197.
2 الأنبياء آية (22) .
3 المؤمنون آية (91) .
4 المعنى الذي ذكره المصنف هنا لا دليل عليه من الآية، لأن الآية نصت على إثبات الفساد لو كان في السموات والأرض آلهة غير الله، لأنه لا يصلح شان السموات ولأرض إلا الله عزوجل، فهي دليل على إثبات وحدانية الله بالعبادة وهذه الوحدانية تتضمن الوحدانية في الخلق والإيجاد والقدرة التامة والإرادة الكاملة. انظر: تفسير ابن جرير 17/13، درء تعارض العقل والنقل 9/369 - 377، مفتاح دار السعادة 2/11.
5 في - ح- (الغالب) .
6 التغالب والتمانع بمعنى أنه لابد أن يتغالبنا ثم إذا تغالبنا امتنع أن يكون المغلوب المقهور إلهاً، فلا بد أن يكون الإله واحداً والآية قررت إثبات الوحدانية المتضمن للربوبية بطريقة واضحة ظاهرة وهي أنه لو كان في السموات والأرض آلهة للزم من ذلك أمران:
الأمر الأول: أن يذهب كل إله بخلقه الذي خلقه.
الأمر الثاني: أن بعلو بعضهم على بعض فيتغالبوا فيسقط الضعيف ويبقى القوي هو الإله. فالشركة في الإلهية غير ممكنة عقلا بهذا الدليل الواضح. انظر: تفسير ابن جرير 18/49، تفسير القرطبي 12/146، الصواعق المرسلة لابن القيم 2/463 تحقيق علي بن محمد الدخيل الله.

الصفحة 330