كتاب الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار (اسم الجزء: 2)

والجواب أن يقال: إذا وقع في ملكه وسلطانه ما لم يرده أو ما ليس في تدبير لحقه العجز1 كما يلحق ذلك المالك المملك من العباد، وإذا أراد شيئاً من غيره فلم يتم له ما أراد لحقه العجز كما يلحقه ذلك إذا أراده من فعل نفسه لعموم قوله تعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} 2، وقوله: إذا لم يرد إلجاء الفاعل ولا مغالبته، غير صحيح، لأن ذلك لو كان علة لما ذكر لما جاز أن يخرج شيء من الأعيان عن ملك الله، أو عن أن يكون معلوماً لله أو مقدوراً لله، أو عن إدراك الله له، وهو أنه لم يرد مغالبة ذلك الشيء ولا مكابرته، ولما لم يجز أن يخرج شيء من الكائنات المكونات عن ملك اله ولا عن علمه ولا عن إدراكه لها ولا عن اقتدار الله عليه3 لم يخرج عن أن يكون مراداً لله ولا أن يكون خلقاً له.
ثم قال هذا المخالف: ودلالة التمانع عندنا هو أن نقول: لو كان مع الله قديم آخر لوجب أن يكون حياً قادراً عالماً بذاته كما أن الله سبحانه حي، قادر، عالم بذاته، لأنه إذا شارك الباري في أخص أوصافه وهو كونه قديما وجب أن يكون مثلاً له، ومن حق المثلين أن يجب لأحدهما ما يجب للآخر، ثم قال بعد ذلك: ودلالة التوحيد في هذا التمانع لا يمكن هذا المستدل وأهل مذهبه القول به لوجهين:
أحدهما: أنهم سدوا القول بالتوحيد على أنفسهم لأنهم أثبتوا مع الله صفات4 كثيرة قديمة وسموها صفات لله5، وقالوا مع ذلك ليست حية
__________
1 في - ح- (النقص) .
2 البروج آية (16) .
3 هكذا في النسختين.
4 في الدامغ الباطل ورقة (53/ب) (ذوات) بدل كلمة صفات.
5 ما ذكره المخالف هنا هو من أصول قولهم في إنكار صفات الباري جل وعلا، حيث زعموا أن اتصافه بالصفات يلزم منه إثبات التعدد، لهذا نفوا عنه جل وعلا سائر الصفات وسموا لذلك أنفسهم أهل التوحيد، ومرادهم بذلك أنهم هم الذين حققوا وصف الله بالواحد بنفي الصفات، وهذا انحراف عن الحق فإثبات الصفات لا يلزم منه تعدد الذوات، بل هي ذات واحدة لها صفات الكمال المطلق التي هي من لوازم الذات الكاملة العلية، وهذا أمر في الشاهد دليله، ولله المثل الأعلى فالإنسان موصوف بالصفات ولا أحد يقول إن هذه الصفات ذوات مستقلة لها استقلال الذوات بل هي من لوازم الذات، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تخلو ذات عن الصفات، فلا بد إذا كانت موجودة أن تمون موصوفة ولو بصفة الوجود فقط لهذا لا مفر للمعتزلة ولا غيرهم من أن يثبتوا ذاتا موصوفة بالصفات، وهم أثبتوا كما هو ظاهر هنا صفة الوجود الأزلي وهو ما يعبرون عنه بالقديم وهذه صفة للذات وليست هي الذات، وقد وصف الله جل وعلا نفسه بالصفات في كتابه ووصفه النبي صلى الله عليه وسلم بالصفات الكاملة فلا يسع أحدا أن ينكر ذلك إلا من التبس عليه الحق وتنكب الصراط المستقيم. انظر: ما تقدم ص 173 وما بعدها فقد تقدم النقل عن عبد الجبار المعتزلي في قولهم في نفي الصفات ورد المصنف عليهم.

الصفحة 334