كتاب الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار (اسم الجزء: 2)

فيقال لهم: فهل كان يقدر على منعه عن إضلالهم أو لا يقدر؟.
فإن قالوا: لا يقدر نسبوه إلى العجز وبطل مدحه لنفسه بأنه على كل شيء قدير، وإن قالوا: يقدر ولكنه لم يمنعه.
قلنا لهم: فترك منعه عن ذلك مع قدرته عليه إرادة1 منه إضلالهم.
فأجاب هذا القدري عن هذا بكلام لا يفهم منه إلا الأذى وضمنه معنيين:
أحدهما: أن إبليس لم يخلقه الله إلا للعبادة ولم يرد الله منه إلا ذلك.
والثاني: أن ترك المنع منه ليس بإرادة منه لإضلالهم، فأما الأذى فلا جواب له عنه إلا الإضراب عنه.
وأما قوله: إن الله لم يخلق إبليس إلا للعبادة فقد مضى الجواب عن ذلك2 في الفصل قبل هذا3، ويقال له: لو خلقه الله للعبادة ليسرها له كما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كل ميسر لما خلق له"4.
وأما إنكاره لقولنا: إن تركه لمنع إبليس عن إضلالهم مع قدرته على ذلك إرادة منه لإضلالهم فدفع للعيان5 ألا ترى أن ترك الحركة من المتحرك سكون وترك السكون منه تحريك وكذلك ترك الإعدام من الله إيجاد، وترك الإيجاد منع إعدام، وكذلك ترك الهداية منه إضلال وترك الإضلال منه هداية.
__________
1 في الأصل (اراد) وهي في - ح- كما أثبتها وهي الأنسب.
2 في - ح- (هذا) .
3 انظر: ص 339.
4 أخرجه خ. كتاب التفسير سورة الليل 6/142 كتاب القدر، ب. وكان أمر الله قدرا مقدورا (8/105) من حديث علي - رضي الله عنه -.
وأخرجه م، كتاب القدر (ب. كيفية الخلق الآدمي..) 4/2040-2041 من حديث علي وعمران بن الحصين - رضي الله عنهما -.
5 في - ح- (منه للعيان) .

الصفحة 341