كتاب الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار (اسم الجزء: 2)
69- فصل
ومن الأدلة المذكورة لنا في الرسالة قوله تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} 1، ففرق الله في هذه الآية بين من شرح2 صدره الإسلام وبين من لم يشرح صدره بتوعده لهم بالويل وأخبر أنهم في ضلال مبين.
فأجاب المخالف القدري: بأنه لا حجة لنا في هذه الآية لأن الله نسب شرح الصدر إليه، وما نسب قسوة القلب غليه بل ذم عليها وتوعد3 أهلها وذلك يدل على أنها فعلهم.
والجواب: أن في الآية إضماراً وتأويلها {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ} يعنى وسع قلبه وفتحه للتوحيد فاهتدى كمن طبع على قلبه فلم يهتد لقسوته4.
وروي أن رجلاً قال: يا رسول الله ما معنى قول الله تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّه} ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن النور إذا وقع في القلب انشرح الصدر"، فقال الرجل: فهل لذلك من علامة تعلم. قال: "نعم التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والتأهب للموت قبل نزول الموت "5.
ويدل على صحة قولنا، قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} 6 فنسب الله جعل القساوة في قلوبهم إليه في هذه الآية، كما
__________
1 الزمر آية (22) .
2 في - ح- (شرح الله) .
3 في الأصل (تواعد) وهي في - ح- كما أثبت وهي الأصوب.
4 انظر: تفسير ابن جرير 23/209، تفسير القرطبي 15/247 فقد ذكرا نحوا من ذلك.
5 ذكره في الدرالمنثور 7/219 وعزاه إلى ابن مردويه عن ابن مسعود - رضي الله عنه - نحوه، والحكيم في نوادر الأصول عن ابن عمر نحوه، وعبد الرحمن بن حميد وابن المنذر عن قتادة مرسلا نحوه.
6 المائدة آية (13) .