كتاب الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار (اسم الجزء: 2)
واليسرى هاهنا: الأعمال التي يستحقون بها الجنة، والعسرى: الأعمال التي يستوجبون بها النار في الآخرة. يدل على صحة ذلك ما روي في الصحاح عن علي - رضي الله عنه - أنه قال: "كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقعد ونحن حوله وبيده مخصرة ينكت بها الأرض، وهو منكس رأسه ثم رفع رأسه وقال: "ما من نفس منفوسة إلا وقد كتب مكانها من الجنة والنار"، فقال رجل من القوم: أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل، فمن كان منا من أهل السعادة، فسيصير إلى السعادة، ومن كان من أهل الشقاوة، فقال صلى الله عليه وسلم: "لا، اعملوا فكل ميسر لما خلق، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل1 السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ …} الآية"2، وهذا تفسير من النبي صلى الله عليه وسلم يدل على صحة قولنا.
ويقال: إن قوله: {أَعْطَى وَاتَّقَى} نزلت في أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -. قال ابن عباس: نزلت في أبي بكر خاصة وهي بعد في الناس عامة، وذلك أنه اشترى سبعة من المسلمين كانوا في أيدي المشركين لله3، فأنزل
__________
1 في الأصل (أهل) غير موجودة وهي في - ح-.
2 أخرجه خ. كتاب الجنائز (ب. موعظة المحدث عند القبر) 2/83، م. القدر (ب. كيفية الخلق الآدمي) 4/2039.
3 لم أقف على هذه الرواية عن ابن عباس، وإنما وردت روايات أخرى عنه وعن غيره فيها التصريح بأن هذه الآيات نزلت في أبي بكر - رضي الله عنه -، فقد روى ابن جرير في تفسيره 30/221 بسنده عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: "كان أبو بكر الصديق يعتق على الإسلام بمكة، فكان يعتق عجائز ونساء إذا أسلمن فقال له أبوه: أي بني أراك تعتق أناسا ضعفاء فلو أنك أعتقت رجالا جلدا يقومون معك ويمنعونك ويدفعون عنك، فقال: يا أبت إنما أريد - أظنه قال - ما عند الله. قال: فحدثني بعض أهل بيتي أن هذه الآية نزلت فيه {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى..} الآية، وأخرجه الحاكم في المستدرك نحوه 2/525، وأخرجه مختصرا البزار. انظر: كشف الأستار 3/81.
وذكر السيوطي في الدر المنثور 8/537 أن أبا حاتم أخرج عن عروة أنه قال: "إن أبا بكر الصديق أعتق سبعة كلهم يعذب في الله، بلال وعامر بن فهيرة والنهدية وابنتها وزنينة وأم عيسى وأمة بني المؤمل وفيه نزلت {وَسَيُجَنَّبُهَا الأتْقَى} " إلى آخر السورة.