كتاب الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار (اسم الجزء: 2)
وكتاب ثابت بأنه لا يؤمن لأنه قال: {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} معناه لقد وجب القول على أكثرهم بالعذاب فهم لا يؤمنون، فأخبر سبحانه أن الذين وجبت عليهم الكلمة بأن لا يؤمنوا لا يؤمنون {وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ} يعني يوم القيامة، فإنه لا يمكنهم التكذيب.
ويدل على صحة ما ذهبنا إليه ما روي في الصحاح عن مسلم بن يسار1 أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - سئل عن هذه الآية {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} 2 ف قال عمر - رضي الله عنه -: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: "إن الله خلق آدم عليه السلام فمسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذريته فقال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج ذرية فقال: خلقت هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعملون. فقام رجل فقال يا رسول الله: ففيم العمل؟، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل أهل الجنة، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل أهل النار فيدخل النار"3.
__________
1 مسلم بن يسار الجهني ذكره ابن حبان في الثقات، وقال العجلي: "بصري تابعي ثقة"، وقال ابن حجر في التقريب: "مقبول من الثالثة". انظر: تهذيب التهذيب10/142، التقريب ص 336، وفي كلا النسختين كتبها (يسار بن مسلم) والصواب ما أثبت كما في مصادر الرواية.
2 الأعراف آية (172) .
3 أخرجه ت. كتاب تفسير القرآن، (ب. سورة الأعراف) 5/266، د. كتاب السنة (ب. القدر) 2/273، ط. كتاب الجامع (ب. النهي عن القول في القدر ص784، حم. 1/44، الحاكم في المستدرك كتاب الإيمان 1/27 وفي كتاب التفسير 2/324-544) ، وابن جرير في تفسيره 13/334 بتحقيق أحمد شاكر، والحديث من هذا الطريق منقطع لأن مسلم بن يسار لم يسمع عمر - رضي الله عنه - كما ذكر ابن حجر وغيره. انظر: التهذيب 10/142، وروي موصولا عند أبي داود ابن جرير من وراية مسلم عن نعيم بن ربيعة الأزدي عن عمر - رضي الله عنه -، ونعيم لا يعرف إلا بهذا الحديث وقد وثقه ابن حبان كما ذكر ذلك ابن حجر في التهذيب. انظر: 10/464.
والحديث حسنه الترمذي وقال الحاكم مرة: "صحيح على شرطهما ولم يخرجاه"، وخالفه الذهبي بأن فيه إرسالا، ومرة قال: "صحيح على شرط مسلم"، ومرة قال: "على شرط الشيخين" وفي الموضعين وافقه الذهبي.
وقال المنذري: "إنه حديث ليس إسناده بالقائم، لأن مسلم بن يسار ونعيم بن ربيعة جميعا غير معروفين بحمل العلم، ولكن معتى الحديث قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه ثابتة يطول ذكرها من حديث عمر وغيره". انظر: مختصر السنن 7/73، وقد أورد ابن كثير جملة كبيرة من هذه الروايات في تفسيره، وأورد عن علماء السلف ما يوافق معنى الحديث مما يدل على قبولهم له واستشهادهم بمعناه. انظر: تفسير ابن كثير 2/261- 264.