كتاب الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار (اسم الجزء: 2)
ذَرَأَكُمْ فِي الأرْضِ} 1 أي خلقكم في الأرض {وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} أي بعد الموت ومثلها قوله تعالى: {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الأنْعَامِ أَزْوَاجاً يَذْرَأُكُمْ فِيه} 2 أي يخلقكم في أرحام الأزواج3، وقيل يكثركم بالتزويج4، وفي الحديث عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: "إني أظنكم آل المغيرة ذرأ النار"5 أي خلقها، فهذا يبطل تأويله الأول.
وأما الدليل على إبطال تأويله الثاني وأنه أراد خلقناهم بعد الموت فمن وجوه:
أحدها: أنه أخبر قبل هذا6 بقوله: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} ، ثم قال: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرا} الآية. فأخبر سبحانه أن من يهديه فهو المهتدي، والمراد به من يوفقه ويسدده للإيمان به وطاعته فهو المهتدي لذلكن ولا يجوز حمله على الثواب، لأن الثواب لا يسمى هدى على ما مضى7 ولو جاز أن يسمى الثواب هدى لم يقل هاهنا {فَهُوَ الْمُهْتَدِي} ، وإنما كان يقول فهو المُهدي8، فلما قال المهتدي نسب
__________
1 المؤمنون آية (79) .
2 الشورى آية (11) .
3 ذكر هذا القول ابن جرير عن مجاهد والسدي. انظر: تفسير ابن جرير 25/11.
4 ذكر هذا القول القرطبي عن الزجاج. انظر: تفسير القرطبي 16/8.
5 أخرج هذا لأثر أبو عبيد في غريب الحديث 3/328، وهذا القول من عمر - رضي الله عنه - موجه لحالد بن الوليد - رضي الله عنه - ونصه: أن عمر كتب إلى خالد بن الوليد: (إنه بلغني أنك دخلت حماما بالشام وأن من بها من الأعاجم أعدوا لك دلوكا عجن بخمر وإني أظنكم آل المغيرة ذرأ النار) .
(هذا) ليست في الأصل وهي في - ح-.
7 انظر: كلام المصنف في معنى الهدى ص 285.
8 المهدي بضم الميم وسكون الهاء وفتح الدال بمعنى المعطي الهدى.