كتاب الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار (اسم الجزء: 2)

إلى رؤيته فسأل الرؤية، فلو كانت رؤية الله مستحيلة لما سألها موسى عليه الصلاة والسلام. فقال: {لَنْ تَرَانِي} في الدنيا ولا تطيق1 عليها في الدنيا، وإنما منعه الله إياها في الدنيا لمعان:
أحدها: أن النظر الذي في عينه خلقه الله للفناء فلا ينظر به إلى الله الذي هو باق ولا يفنى.
والثاني: أن الدنيا دار تكليف فمعرفة الخلق له إنما هي عن غيب ليكون لهم الثواب لا معرفة ضرورية2.
والثالث: أن رؤية الله تعالى من أجل النعم التي ادخرها الله لأهل الجنة في الآخرة فلم يعطها أحداً في الدنيا.
ولا يجوز أن يكون المراد بقوله تعالى: {لَنْ تَرَانِي} من3 رؤيته في الدنيا والآخرة، لأنه لو أراد ذلك لقال: "لا تراني"، ولأنه لو كان سؤال موسى مستحيلاً لأخبره الله بذلك وقال: لا تسألن عما ليس لك به علم، كما قال لنوح عليه السلام: {فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} 4، ولنهى موسى عن ذلك.
ثم قال الله لموسى: {وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ} أي اجعل الجبل علماً بيني وبينك لأنه أقوى منك، فإن استقر مكانه فسوف تراني، وإن لم يستقر الجبل مكانه لن تطيق رؤيتي في الدنيا.
وفي قوله تعالى: {فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} دليل على جواز رؤية
__________
1 في الأصل (نطلق) وفي -ح- كما أثبت وهي أقرب إلى وضوح المعنى المراد وهو (أي لا تقدر عليها) .
2 المراد هنا معرفة ضرورية تحصل بالمشاهدة.
3 هكذا في النسختين ولعل صوابها (نفي) .
4 هود آية (46) وهذه الآية ليست في -ح-.

الصفحة 642