كتاب الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار (اسم الجزء: 3)

غير مستحل لها، إنه يخرج من إيمانه ويخلد في النار، كمن لم يؤمن بالله طرفة عين، وهذا مع تسميتهم لأنفسهم أهل العدل، وجعلوا حكم الشاهد أصلا لهم، وهذا في الشاهد خلاف العدل، وحكم العدل في الشاهد إن لم يعف الله عنه ويصفح عن هذا العبد الذي هذا صفته أن لا يظلمه من حسناته التي عملها لأنه قال: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} 1،ويعاقب على المعصية التي عملها بقدرها. وحكى عن بعضهم أنه قال: صاحب الكبيرة يوما في الجنة ويوما في النار2.
والدليل على صحة ما ذهبنا إليه قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} 3. ومعنى الآية أن الله لا يغفر لمن يشرك به فيموت على الشرك، ويغفر ما دون الشرك لمن يشاء من أهل التوحيد4.
ويدل على ما قلناه قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} 5.
وهذه الآية في وحشي قاتل حمزة6، ولكنها وإن نزلت بسببه إلا أنها عامة في جميع العباد وجميع الذنوب.
__________
1 النساء آية (40) .
2 لم يتبين لي قائل هذا القول.
3 النساء آية (48 - 116) .
4 هذه الآية أظهر الأدلة من القرآن على قول السلف وأقواها في إثبات أن ما دون الشرك من الذنوب تحت المشيئة.
5 الزمر آية (53) .
6 ذكر القرطبي عن ابن عباس وعطاء. تفسير القرطبي 15/268.
والثابت عن ابن عباس كما في البخاري ومسلم أنه قال: " إن ناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا وأكثروا وزنوا وأكثروا فأتوا محمدا صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن الذي تقول وتدعوا إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا
كفارة، فنزل {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} الآية، ونزل {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} خ. التفسير باب تفسير سورة الزمر 6/104، م. الإيمان (ب أن الإسلام يهدم ما قبله) 1/113.

الصفحة 669