كتاب الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار (اسم الجزء: 3)

استدلوا بأنا لو لم نقل بالتخليد لأدى ذلك إلى الفساد، لأن المذنب متى علم أنه لا يخلد في النار لم يبال بالمعصية لأنه يعلم أنه يصير إلى الجنة فلهذا بُولِغَ بإدامة العذاب عليه1.
والجواب عليه أن يقال: فعلى مقتضى استدلالكم هذا أن تقولوا لا تصح توبته ولا تقبل منه، لأنه متى علم أن توبته تصح وتقبل منه ولم ييأس من البقاء بعد ارتكاب المعصية حمله ذلك على ركوب الكبائر اتكالا منه على التوبة في آخر عمره، فإذا كانت توبته صحيحة الإجماع، ولم يكن بها فساد، فكذلك القول بعدم تخليده.
استدلوا بأن الفاسق عدو لله وأمرنا بلعنه والبراءة منه، وبأن لا تأخذنا به رأفة فقال: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ} 2. مع أن الله وصف نفسه بالرحمة للمؤمنين بقوله تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} 3 ولا يكون صاحب الكبيرة مؤمنا مرحوما.
والجواب: أنا لا نحكم للفاسق بأنه عدو لله وأن الله لعنه إلا بشرط أن يكون في معلوم الله أنه يعذبه ولا يغفر له، لأن العداوة والبغض هو إرادة الله عذابه4 وهذا كما تعبدنا بلعن من ظهرت منه كلمة الكفر والحكم عليه بأنه عدو الله بشرط أن يكون في معلوم الله أنه يموت كافرا، وكما تعبدنا
__________
1 ذكر نحو هذا القاضي عبد الجبار في شرح الأصول الخمسة ص 961.
2 النور آية (2) .
3 الأحزاب آية (43) .
4 قوله هنا: "والبغض هو إرادة الله عذابه" هذا من تأويل المعتزلة والأشعرية الذين ينكرون أن الله يوصف بالصفات الفعلية كالغضب والرضا والحب والبغض ويفسرون ذلك بلوازم هذا الصفات من إرادة الثواب وإرادة العقاب، والمصنف - رحمه الله - نقل هذه العبارة على علتها من التمهيد للباقلاني. انظر: ص 410 ويأتي التعليق على هذا في نهاية جواب المصنف عن هذا الاعتراض.

الصفحة 683