كتاب الزهر النضر في حال الخضر

ريح، فغرقت، فَخرجت إِلَى بعض السواحل على لوح، فأقمت أتردد نَحوا من أَرْبَعَة أشهر، آكل مَا أُصِيب من الشّجر والعشب، وأشرب من مَاء الْعُيُون، ثمَّ قلت: لأمضين على وَجْهي.
فإمَّا أَن أهلك، وَإِمَّا ان أنجو، فسرت فَرفع لي قصر، كَأَن سناءه فضَّة، فَرفعت مصراعه فَإِذا دَاخله أروقة، فِي كل طاق مِنْهَا صندوق من لُؤْلُؤ وَعَلَيْهَا أقفال مفاتيحها رَأْي الْعين، ففتحت بَعْضهَا فَخرجت من جَوْفه رَائِحَة طيبَة، وَإِذا فِيهِ رجال مدرجون فِي ألوان الْحَرِير، فحركت بَعضهم فَإِذا هُوَ ميت فِي صفة حَيّ، فأطبقت الصندوق وَخرجت، وأغلقت بَاب الْقصر ومضيت، فَإِذا أَنا بفارسين لم أر مثلهمَا جمالا، على فرسين أغرين محجلين، فسألاني عَن قصتي فأخبرتهما. فَقَالَا: تقدم أمامك فَإنَّك تصل إِلَى شَجَرَة تحتهَا رَوْضَة، هُنَاكَ شيخ حسن الْهَيْئَة على دكان يصلى فَأخْبرهُ خبرك، فَإِنَّهُ يرشدك إِلَى الطَّرِيق فمضيت فَإِذا أَنا بالشيخ، فَسلمت فَرد عَليّ، وسألني عَن قصتي [فَأَخْبَرته بخبري كُله، فَفَزعَ لما أخْبرته بِخَبَر الْقصر] ثمَّ قَالَ: مَا صنعت؟ قلت أطبقت الصناديق، وأغلقت الْأَبْوَاب فسكن، وَقَالَ: اجْلِسْ {فمرت بِهِ سَحَابَة فَقَالَت: السَّلَام عَلَيْك يَا ولي الله} فَقَالَ: أَيْن تريدين؟ قَالَت: أُرِيد بلد كَذَا وَكَذَا، فَلم تزل تمر بِهِ سَحَابَة بعد سَحَابَة حَتَّى أَقبلت سَحَابَة فَقَالَ: أَيْن تريدين؟
قَالَت: الْبَصْرَة، قَالَ: انزلي، فَنزلت فَصَارَت بَين يَدَيْهِ فَقَالَ: احملي هَذَا حَتَّى تُؤَدِّيه إِلَى منزله سالما، فَلَمَّا صرت على متن السحابة قلت: أَسأَلك بِالَّذِي أكرمك أَلا أَخْبَرتنِي عَن الْقصر عَن الفارسيين وعنك.
قَالَ: أما الْقصر فقد أكْرم الله بِهِ شُهَدَاء الْبَحْر، ووكل بهم مَلَائِكَة يلقطونهم من الْبَحْر، فيصيرونهم فِي تِلْكَ الصناديق مدرجين فِي أكفان

الصفحة 135