كتاب الزهر النضر في حال الخضر

الْخضر حَيّ - فَيَقُولُونَ: رَأينَا الْخضر.
وَرُبمَا رأى أحدهم شخصا اسْمه الْخضر، فيتوهمه خضر مُوسَى.
وَرُبمَا لقِيه شَيْطَان من الْإِنْس أَو من الْجِنّ، فَقَالَ لَهُ: أَنا الْخضر، يرِيه أَنَّك رجل صَالح.
(وَالثَّالِثَة) : حب الصيت وَالذكر، وَهُوَ يخْتَص بالملتمسين، فَيَقُول قَائِلهمْ: لقِيت الْخضر، يَجْعَل لَهُ جاها بَين الْعَوام، وَهَؤُلَاء قد اختصروا على دنى الثِّيَاب. ليروا بِعَين الزّهْد، واستعملوا خشوع الْأَبدَان، ليقال عَنْهُم أهل تقوى، وَلم يتعبوا جوارحهم فِي التَّعَبُّد، وَأَن التَّعَبُّد نصب صَعب، وادعاء زهد نصيب سهل، وَقد حذرت مِنْهُ فِي كتابي الْمُسَمّى بتلبيس ابليس.
لَا شكّ أَن ابْن الْجَوْزِيّ - رَحمَه الله - حلل النُّصُوص الْوَارِدَة فِي حَيَاة الْخضر - عَلَيْهِ السَّلَام - تَحْلِيل ناقد بَصِير، وَقد كتب كتابا مُسْتقِلّا فِي حَيَاته ثمَّ لخصه فِي رِسَالَة مختصرة.
تَعْبِير صِيغ الْأَقْوَال فِي بَقَائِهِ ولقائه: وَيصدق تَحْلِيله على هَذَا مَا أحصيته، من أَنْوَاع الادعاءات المتنوعة بلقاء الْخضر، الَّتِي لَا يُوجد فِيهَا الْجَزْم بِأَن الشَّخْص الَّذِي لقِيه الْمُدَّعِي كَانَ الْخضر فِي الْحَقِيقَة.
وَيُمكن تَلْخِيص هَذِه الادعاءات فِي النقاط التالية: 1 - الْخضر بِنَفسِهِ يَقُول لمن رَآهُ: أَنا الْخضر 2 - رؤوا شخصا مَجْهُولا، فَغَاب، فَكَانُوا يرَوْنَ أَنه الْخضر 3 - رأى الرجل الْمُدعى للقاء الْخضر رجلا، فَظَنهُ، أَو خيل إِلَيْهِ، أَو وَقع فِي نَفسه أَنه الْخضر 4 - رؤوا رجلا فَقَالُوا: هَذَا الْخضر أَو إلْيَاس؛ أَو مَا أشبه أَن يكون هَذَا الْخضر أَو إلْيَاس، أَو بعض هَؤُلَاءِ الأبدال. 5 - الرجل الثَّالِث يخبر من لقى أحدا من المجهولين، أَو سمع صَوت أحد، على صفة خَاصَّة، بقوله هَل تَدْرُونَ من هَذَا؟ هَذَا الْخضر! أَو أَنَّك لقِيت الْخضر. 6 - الرجل بِنَفسِهِ يخبر الآخرين بِأَنِّي رَأَيْت الْخضر، أَو لقِيت الْخضر، أَو حَدثنِي الْخضر أَو عَلمنِي الْخضر. 7 - رؤوا رجلا مَجْهُولا يعْمل عملا مجيدا، فَقَالُوا: ماهو إِلَّا الْخضر. 8 - خَافَ الشَّخْص من قَول رجل، فَقَالَ لَهُ الْخَائِف: مَا علمك هَذَا القَوْل إِلَّا الْخضر.
هَذِه هِيَ الملامح الرئيسية فِي الرِّوَايَات الْوَارِدَة فِي وجود الْخضر واستمرار حَيَاته حَتَّى الْيَوْم.
وبمجرد أدنى تفكير فِي سياقها ينْكَشف زيفها، وَضعف أساليبها، وَعدم دلالتها على الْمَعْنى الْمَقْصُود، وَهُوَ اسْتِمْرَار حَيَاته؛ وبالتالي تتبخر ادعاءات لقائهم وزياراتهم لَهُ، فِي " الأودية والصحارى "، و " الْمَوَاضِع الشَّرِيفَة

الصفحة 36