كتاب الزهر النضر في حال الخضر

وَالْمُجَاهِدُونَ فِي هَذِه الْغَزْوَة الفاصلة بَين الْحق وَالْبَاطِل كَانُوا ثَلَاثَة عشر وثلاثمائة رجل، معروفين بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاء آبَائِهِم وقبائلهم ... فَأَيْنَ كَانَ الْخضر حِينَئِذٍ! ؟
ولماذا ترك تِلْمِيذه الملازم الْبَار شمس الدّين بن الْقيم، رأى أستاذه فِي اسْتِمْرَار حَيَاة الْخضر، وَنقل عَنهُ رَأْيه فِي عدم بَقَائِهِ فَقَط. ورد إِلَى ذَلِك أَنه ذكر فِي كِتَابه " أَسمَاء مؤلفات ابْن تَيْمِية " رِسَالَة فِي الْخضر هَل مَاتَ أم هُوَ حَيّ؟ ورسالة بعنوان التَّحْرِير فِي مسالة الْخضر (مُجَلد) .
لَا بُد أَن تنشأ هَذِه التساؤلات وَغَيرهَا فِي ذهن القاريء، وتتطلب مِنْهُ الْإِجَابَة عَنْهَا.
وَلَا يُمكن الْإِجَابَة عَنْهَا إِلَّا أَن تعرف بِأَن هَذِه الْفَتْوَى لَا تَخْلُو من إِحْدَى ثَلَاث أَحْوَال:
1 - إِمَّا أَن يُقَال بِأَن قَول ابْن تَيْمِية بحياة الْخضر، قَوْله الْأَخير الرَّاجِح. وَلكنه مَدْفُوع بِأَن استدلاله على إِنْكَار حَيَاته أقوى وادل مِنْهُ على بَقَائِهِ. وَكَذَلِكَ اراؤه فِي إِنْكَار حَيَاته كَثِيرَة، وَفِي أَكثر من مَوضِع، وَقَوله فِي بَقَائِهِ لَا يُوجد إِلَّا فِي مَوضِع وَاحِد.
وَهَذَا خلاف مَنْهَج ابْن تَيْمِية الْمَعْرُوف، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لما يرى شَيْئا يذكرهُ فِي مَوَاضِع مُتعَدِّدَة وبادنى المناسبات.
2 - وَإِمَّا أَن يُقَال بِأَن القَوْل بحياته قَوْله الْمُتَقَدّم، وَالْقَوْل الْمُتَأَخر الرَّاجِح هُوَ إِنْكَار حَيَاته، وَلذَلِك يُوجد الرَّأْي الْأَخير فِي أَكثر من مَوضِع.
وَهَذَا أقرب إِلَى الصِّحَّة وَالتَّحْقِيق، نظرا إِلَى صلابة ابْن تَيْمِية فِي الْأُمُور
العقائدية، وتمسكه بِالْكتاب وَالسّنة الصَّحِيحَة.
وَأَيْضًا بِدَلِيل أَن ابْن الْقيم نقل عَنهُ إِنْكَار حَيَاته، فَلَو كَانَ مرجوحا، أَو رَأيا مُتَقَدما لما نقل عَنهُ. وَقد مضى أَنه ذكر فِي كِتَابه " أَسمَاء مؤلفات ابْن تَيْمِية " كتابين لَهُ فِي الْخضر.
3 - وَأما أَن يُقَال بِأَنَّهُ لم تثبت صِحَة نِسْبَة القَوْل بحياة الْخضر إِلَى ابْن تَيْمِية بتاتا، فَيعْتَبر مدسوسا عَلَيْهِ.
مهما يكن من الْأَمر، تُوجد عدَّة أَسبَاب تقوى أحد الرأيين الْأَخيرينِ، وَمن أهمها: تَعْلِيق الشَّيْخ / عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن قَاسم العاصمي النجدي الْحَنْبَلِيّ (جَامع فَتَاوَى شيخ الْإِسْلَام) على هَذِه الْفَتْوَى بقوله: " هَكَذَا وجدت هَذِه الرسَالَة ".
وَمن عَادَة جَامع الْفَتَاوَى بِأَنَّهُ لَا يعلق مثل هَذِه التعليقات، وَلكنه - فِي نَظَرِي - اضْطر إِلَى هَذَا التَّعْلِيق فِي هَذَا الْمَكَان، لما راى فِيهِ من رَأْي شَاذ حول حَيَاة الْخضر، يُخَالف جَمِيع اراء شيخ الْإِسْلَام، فنبه عَلَيْهِ.
وَهَذَا التَّعْلِيق من مُرَتّب الْفَتَاوَى الَّذِي لَهُ اطلَاع وَاسع ودقيق على جَمِيع كتابات ابْن تَيْمِية الْمَوْجُودَة، مثير للشَّكّ؛ وَلَا ريب أَنه تَعْلِيق دَقِيق ووجيه فِي مَحَله، وَلَا بُد مِنْهُ.
هَذَا، وَقد وجدت فَتْوَى مختصرة من فَتَاوَى الشَّيْخ أبي عَمْرو بن الصّلاح (643 هـ) ، تثبت حَيَاة الْخضر، وتشبهها فَتْوَى شيخ الْإِسْلَام هَذِه فِي الْمَعْنى، والمبني - أَيْضا - إِلَى حد مَا، كَمَا يَلِي: (مَسْأَلَة)
. وَالْخضر - عَلَيْهِ السَّلَام، هَل ورد أَنه حَيّ إِلَى الْوَقْت الْمَعْلُوم؟ وَهل هُوَ ولي أَو نَبِي أم لَا؟ (اجاب)
وَأما

الصفحة 48